ومعلوم أن المجيء لا قول ولا طواعية له بعد أن يكون تمام الخلق مستكمل الوجود. فكيف في حال الإيجاد؟ فكان المعنى أنه قال: ائتيا طوعا أو كرها أي كونا كما أريد. ولا يمكن أن لا يكونا، فكانتا كما أراد، فوقعت العبارة عن ذكرهما كما أراد الله تعالى منهما بأنهما قالتا:} أتينا طائعين {فكذلك غير عن خلق السموات والأرض والجبال عن أن يكون فيهما محمل لذلك لأنه ركب فيه الحياة والعقل وعلم البيان.
أي فليس الأمر بعظيم الخلق والجثة وشدة القوة، وإنما عهده التكليف ما ذكرنا. ثم قال:} أنه كان ظلوما جهولا {ولو أنه كان بهذا النقصان لم يحملها، وذلك أن الإنسان لم يخبر في جملة الأمانة كما دعي إليها، فتكون إجابته إلى حملها والإحاطة به محمولتين في جهله وظلمه. ولكن ألزمها إلزاما. فقيل لأولهم:} يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشجرة، فتكونا من الظالمين {. وهذا الأخبار فييه. فيثبت أن هذا كلام مستأنف. وأن المعنى قد حملها الإنسان. ثم أنه بعد الحمل يجهل موضع حظه، ويظلم نفسه، فيخالف الأمر، ويرتكب النهي ويعرض نفسه للعقاب، ويحرمها الثواب. وهذا تعجيب من حامل الأمانة. لا عبث منه، ولا طعن فيه، وبالله التوفيق.
وقال عز وجل:} لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون {. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك). وقال:(من علامات المنافق أن يكذب إذا حدث، ويخلف إذا وعد، ويخون إذا ائتمن). وقال:(ألا إن الدين النصيحة. قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسول ولأئمة المسلمين وعامتهم). وقال:(من غشنا فليس منا) فثبت أن أداء الأمانة ما كانت لمن كانت واجبة، وأنه أفضل شعب الإيمان.