قال الله عز وجل:{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا، واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون}. وقال:{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفًا فلا تولوهم الأدبار}.
وجملة القول في هذا إن الزحفين إذا التقيا من المسلمين والمشركين، فاقتتلا وقتل الكثير فإن كان المشركون في العدد مثلهم أو مثليهم فحرام عليهم أن يفروا، ويتركوا مواقعهم مولين ظهورهم إلا أن يكون وراءهم فئة، يريدون أن يتحيزوا إليهم، فيقووا بهم، ثم يكروا على العدو، فينصرف انفراكهم بمكيدة من مكائد الخوف، نحو أن يوهموا أنهم قد انهزموا، ليتفرق العدو، فينصرف بعضهم ويقيم بعض، ويتبعهم بعضهم، فعسى أن يصيبوا من التابعين لهم ما يريدون. أو يمكنهم كرة على الواقفين في مواضعهم ونكاية فيهم.
فإذا كان الرجوع لواحد من هذين فهو جائز، وإن كان على وجه الفرار فهو من الكبائر. وأما إذا كان الرجوع العدو أكثر من مثلي المسلمين إن تبينوا لهم ما أطاقوا فإذا عجزوا وخافوا الاصطدام، فلهم أن يهربوا. والأصل في هذا قول الله عز وجل:{ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة، فقد باء بغضب من الله، ومأواه جهنم وبئس المصير}. فأما معنى هذه الآية إن هذا الوعيد على من فر من مثله أو مثليه لأنه نزال اسمه، كان فرض على المسلمين أن يثبتوا لعشرة أمثالهم، فقال: