{يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال، إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا} ثم نسخ هذا برأفته لعباده فقال: {الآن خفف الله عنكم، وعلم إن فيكم ضعفًا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله}.
ففرض الثبات للمثل والمثلين، ولم يزد على ذلك. فعلمنا إن الوعيد المذكور في تلك الآية على الفار من المسلمين، فأما الفار من الامتثال فلا وعيد عليه والله أعلم.
وإذا كان الفار غير مملوك وهو ممن وقع منه كبيرة، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة إشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير حق، والفرار يوم الزحف في سبيل الله، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة وتعلم السحر والربا، وأكل مال اليتيم). وعنه صلى الله عليه وسلم:(لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا وأكثروا ذكر الله. وإن جلبوا وضجوا فعليكم بالصمت).
وعنه صلى الله عليه وسلم:(من قال: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، ثلاثًا غفرت له الذنوب، وإن كان فارًا من الزحف).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فلقينا العدو، فخاض الناس خيفة، فانهزمنا. فقلنا: نهزم في الأرض، فلا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم حياء مما صنعنا. ثم قلنا: لو أتينا المدينة فاشترينا منها وتجهزنا. فلما أتينا المدينة قلنا: لو عرضنا أنفسنا على النبي صلى الله عليه وسلم. فلما خرج عند صلاة الفجر، قمنا بقال من القوم، قلنا: يا رسول الله، نحن الفارون: قال: (بل أنتم الفكارون رأيًا في كل مسلم). والفكار: الكرار: فقد يخرج هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حضر القتال لم يجز لهم أن يغزوا إلا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة بعيدة. فأما أن يكون لها، مسلمين