إن كان في ناحية من الأرض قوم لم تبلغهم الدعوة فالقول فيهم: أن من كان منهم عاقلا مميزا متمكنا من الرأي والنظر، إلا أنه لا يدين دينا، ولا يعرف لنفسه خالقا ولا يعتقد رأيا من الآراء، وإنما يعيش عيش البهائم، فهو كافر، إن قتله قاتل فلا شيء عليه. وإن كان يعتقد دينا نظر فإن كان يعتقد دينا مستقيما في أصله كالنصرانية قبل أن يبدل إلا أنه لم يتحول عنه لأن دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم لم تبلغه، فهذا مسلم، إن قتله قاتل فعليه دية مسلم.
وسمعت بعض أصحابنا يقول: عليه القود، فإن كان يعتقد دينا كان مستقيما في الأصل إلا أنه يدل على سببه بما خلط من الباطل فليس مسلم وينظر فإن كان ذلك نصرانية أو يهودية مبدأه ففيه ثلث دية المسلم، وإن كان مجوسيا ففيه ديه أهل دينه، وإن كانوا عبدة أو ثان أو معطلين فهم كافر لا حرمة لهم، ولا شيء علم من قتلهم.
وإنما قلنا إن كان منهم عاقل مميز، إذا رأى ونظر إلا أنه لا يعتقد دينا فهو كافر، لأنه وإن لم يكن يسمع دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم، فلا شك أنه سمع دعوة أحد الأنبياء الذين كانوا قبله صلوات الله عليه على كثرتهم، وتطاول أزمان دعوتهم، ووفور عدد الذين آمنوا بهم واتبعوهم، والذين كفروا بهم، وخالفوهم فإن الخبر قد يبلغ على لسان الموافق، وإذا سمع أية دعوة كانت إلى الله فترك أن يستدل بعقله على صحتها، وهو من أهل الاستدلال والنظر كان بذلك معرضا عن الدعوة فكفر والله أعلم.
وإن أمكن أن يكون لم يسمع قط بدين ولا دعوة نبي، ولا عرف أن في العالم من يثبت إلها، ولا يرى أن ذلك يكون فإذ كان، فأمره على الاختلاف: فمن ذهب إلى أن للعقول أحكاما من نحو القطع، فحسن الشيء أو قبحه أو سقوطه، فإنه يقول: أن على هذا أن