قال الله عز وجل فيما عده على عباده من نعمة نبههم بذلك على ما يلزمهم من عبادته تعظيمًا وشكرًا:{يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم، والذين من قبلكم لعلكم تتقون. الذي جعل لكم الأرض فراشًا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقًا لكم فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون}. فاحتمل قوله عز وجل {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم} معنيين:
أحدهما: اعبدوه ولا تخلوا بعبادته ولا تغفلوا عنها فمن حقه عليكم أن تعبدوه، إذ كان خلقكم وهو يرزقكم وينعم عليكم.
والآخر: اعبدوه دون غيره، فإن خلقكم وخلق من قبلكم إنما كان منه، ولا تجعلوا له أندادًا واخلصوا العبادة له، ولا تسموا باسمه وهو الله لا إله غيره.
وليس بين المعنيين تناف، فقد يجوز أن يكونا جميعًا مرادين بالآية. ثم إن الله عز وجل بين بما عدد من نعمه على الناس ما يلزمهم بها من تعظيمه أولًا، ثم شكره على ما ابتدأهم به منها، فقال:{اعبدوا ربكم الذي خلقكم} فكان أول ما ذكر من نعمة خلقه إياهم. وهذا- والله أعلم إشارة إلى نفس الخلق بهنائه التي أولاها الحياة، ثم العقل لأن الحي بالعقل يعلم نفسه ويعلم غيره ويعلم فاعله، ويميز بين الشيء وضده. وبعض العلم الذي ذكرناه ضرورة وبعضه اكتساب، إلا أن كل علم، وكل ذلك فضله. والعقل الذي يتوصل