به إليه فضيلة، ووجود لمن يوجد فيه فضيلة. ثم الحواس الخمس التي هي مشاعر ضرورته، وهي: السمع الذي يدرك به الأصوات، والبصر الذي يدرك به الألوان، والشم الذي يدرك به الروائح، واللمس الذي يدرك به خشونة الشيء ولينه، والطعم الذي يدرك به مرارة الشيء وحموضته وحلاوته.
ووجه الفضيلة في وجود الحواس لهو في وجود العقل. فقد ذكر عز وجل بعض هذه النعم في غير هذه الآية، فقال:{هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلًا ما تشكرون}. أي إنما خلق لكم هذه المنافع لتشكروه. ومعنى تشكروه تستعملونها في طاعته خاصة، ولا تستعملونها في معصيته. ثم إنه خلق الإنسان سويًا معتدلًا منتصب القامة، شاخص الرأس والوجه. وقال:{أفمن يمشي مكبًا على وجهه أهدى أمن يمشي سويًا على صراط مستقيم}.
وقال:{ولقد كرمنا بني آدم} فقبل من تكريمه أن جعله يأكل بيديه ولم يحوجه إلى أن يأخذ الطعام من الأرض، ولا كالفيل الذي يأخذ الماء بخرطومه فيصبه منه في حلقه.
ومن نعم الله تعالى على الإنسان أن أعطاه اللسان ففضله به على سائر الحيوان، كما فضله بالعقل. حتى إذا أراد إطلاع غيره على ما في نفسه خاطبه وأعرب عنه بلسانه، فعلم المخاطب بذلك مراده. فإذا أراد أن يعلمه شيئًا هو جاهل به خاطبه، وبين له بلسانه ما في نفسه. فإذا سمعه ذلك الغير أدرك مراده منه، فصار مكانه في العلم الواقع له فذلك قوله عز وجل:{الرحمن علم القرآن، خلق الإنسان علمه البيان} ويتلو هذا، الخط بالقلم، لأن فيه من الإفهام ما في المنطق. قال الله عز وجل:{وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم} وليس موضع المنة بالخط والقلم بأقل موضع المنة بالبيان. ولا أعجوبة فيه أقل منها في الكلام. فإن الواحد كما يكون عنده