-وبالله التوفيق- من بلغ عاقلا مميزا، أو عرف الدعوة وسمع بعض إعلام النبي صلى الله عليه وسلم المطبق الذي لا يمكن أن يكون كذبا ولا غلطا، فلم يذعن له، ودافع بالإيمان ليستدل وينظر، فهو كافر، وإن مات مستدلا مات كافرا، لأن إعلام الأنبياء صلوات الله عليهم باهرة للعقول، فكما أن من شاهدها ولم يؤمن بها، وشكك فيها نفسه وزعم أنه يستدل وينظر لم يكن معذورا.
فكذلك من بلغه خبر هذا البلاغ الذي وصفت، فلم يؤمن لم يكن معذورا. فأما من كان في طرف من الأرض بعيد، لا يبلغه إلا الإفراد في الإفراط، فسمع خبر النبي صلى الله عليه وسلم وبعض إعلامه، فتوقف عن الإيمان به لينظر: أيصدق الخبر به أو يكذب، واعتقد أن الأخبار إن تظاهرت بمثل ذلك، آمن ألا أنه لم يبرح من موضعه ليخشى الأخبار، والبراح يمكنه فهو كافر، لأنه رضي لنفسه بالشك بدلا من اليقين، وغرر مع ذلك بالدين، وإن كان البراح لا يمكنه ولم يكن عنده إلا هبر من يمكن الكذب منه، لم يكن محجوجا به.
ولا يشبه هذا، الواحد كان يبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد الملوك بكتابه ليدعوه إلى الإسلام لأنه لم يغفل ذلك إلا بعد انتشار خبره وتطاير الركبان بذكره، وما غافص أحدا برسول أو كتاب، فكان يخلص كتابه إذا ورد على المكتوب إليه لدعوة دون التعريف، فلذلك كان من ورد عليه الكتاب على يد واحد، محجوجا بدعوته والله أعلم.
وإذا سمع سامع بدعوته ولم يسمع بشيء من إعلامه لم يكن محجوجا بما سمع، إلا