للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التاسع والخمسون من شعب الإيمان

وهو باب في حق السادة على المماليك

وهو لزوم العبد سيده في إقامته حيث يراه له ويأمره به، وطاعته له فيما يطلب. ولك أن الله عز وجل قطع من الحقوق التي تكون من الحر في نفسه كثيرًا من العبد لأجل سيده، وجعل سيده أحق به منه بنفسه في أمور كثيرة. فإذا استعصى العبد على سيده، فإنما استعصى على الله عز وجل لأنه هو الحاكم عليه بالملك لسيده، والسالب إياه ما كانت من الحقوق في نفسه، فلا فرق بين العصيان من هذا الوجه، والعصيان بإنكار سائر المحظورات. ولا بين الامتناع من هذا الحكم وبسخطه، وبين الامتناع بين سائر الأحكام وبسخطها، وقد قال الله عز وجل: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}. وقال: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا}.

فأما عبد أبق من سيده واستعصى عليه ونزع نفسه من طاعته فلم يسلم لأمر الله عز وجل وحكمه وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك منه إخلالًا بشعب الإيمان وتركا له. ومن الحقوق التي ذكرنا أن الله عز وجل قطعها من العبد من جنس ما يثبت للأحرار في نفوسهم الملك، فإنه لا يملك أصلا، ولا يتزوج أربعًا، ولا ينكح بغيره إذن سيده، ولا يأتي الجمعة إلا بإذن سيده ولأنه كفل لأحد من أحد إلا بإذن سيده. ولا يجاهد إلا بإذن سيده، ولا يحج إلا بإذن سيده، ولا يقبل منه إلا بإذن سيده، ولا وصية توصى له إلا بإذن سيده، وإن جنيت عليه جناية عمد وجب مثلها القصاص، فالأمر في ذلك إلى سيده

<<  <  ج: ص:  >  >>