وهو باب في أن دار المؤمنين ومآبهم الجنة ودار الكافرين ومآبهم النار
قال الله جل ثناؤه:{بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئه، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}.
وقال فيما وصف يوم القيامة:{يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه، فمنهم شقي وسعيد. فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق. خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك، فعال لما يريد. وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ}.
وقوله جل ثناؤه:{إلا ما شاء ربك فيه وجهان: أن الله تبارك وتعالى لما اخبر عن اليوم لموعود بأن الذين شقوا ففي النار، والذين سعدوا ففي الجنة. كان الذي يقتضيه هذا الظاهر أن دخول كل واحد من الفريقين الدار المعدة لهم يقترن بإتيان اليوم الموعود. فقال جل ثناؤه: {إلا ما شاء ربك} من وفقهم حيث كانوا فيه إلى أن حوسبوا ووزنت أعمالهم، وسيق كل فريق منهم إلى حيث قضى له لئلا يعارض الخبر المقدم خلق.
ومن قال بهذا قال: أن قوله ما دامت السموات والأرض، لم يرد به أنهم يبقون حيث ذكر وسمي قدر ما بقيت السموات والأرض، لأن التوقيت ينافي الخلود، وإنما ذلك عبارة عن طول مدة بقائهم، فضرب للمخاطبين مثل ذلك بهذه بقاء السموات والأرض، إذا لم يكن فيما يعلمونه من خلق الله جل ثناؤه، ويعرفون حاله أطول بقاء منها، ولم يكن في جملتها شيء، اخبروا أنه ليس بمنقض، فيضرب لهم مثل الجنة والنار.