فهذا القدر هو المراد لأن بقاء أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار كما يتبين إلى وقت ثم ينقضي، لكنه دائم باق ولا انقضاء له والله أعلم.
والوجه الآخر: أن المعنى خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من الزيادة عليه.
ألا ترى أنه قال في أهل الجنة {عطاء غير مجذوذ} أي غير مقطوع، فلو كان المعنى أنهم يقيمون قدر ما دامت السموات والأرض ثم يخرجون، لكان العطاء مجذوذا فلما أخبر أنه غير مجذوذ علمنا أن معنى الاستثناء ما ذكرنا والله أعلم.
قال بهذا، قال إلا بمعنى سوى، وذلك يحسن إذا كان المستمنى أكثر من المستثنى منه كرجل يقول: لفلان علي ألف درهم إلا الألفين التي هي إلى سنة، فيكون المعنى سوى الألفين.
وعلى هذا يكون قوله تعالى في أهل النار:{إن ربك فعال لما يريد} بمعنى أنهم خالدون في النار ما دامت السموات والأرض سوى ما شاء ربك من الزيادة على ذلك فلا يتعاظمنكم ذلك في أمره، فإنه يفعل ما يريد، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ويحتمل أن يكون ذكر مده السموات والأرض في هذا الوجه إشارة إلى أن الآخرة لا تتقدر بمقدار الدنيا، ولكنهم أن استوفوا في الجنة والنار مدة العالم المقتضي، فلا الجزاء الذي قوه منقض، ولا المآب الذي أعد لهم منقض، ولكن هذا كل دائم والله أعلم.
فإذا ظهر أن مآب المؤمنين الجنة، ومآب الكافرين النار، وقد قال عز وجل:{كلا إن كتاب الفجار لفي سجين}{كلا إن كتاب الإبراز لفي عليين}.
وكان المعنى ما كتب لهؤلاء علمنا أن السجين خلاف العليين، كما أن الفجار خلاف الإبرار، وسمى الله عز وجل النار هاوية، ووصف الجنة بأنها عالية، وجاء في الميزان: روح المؤمن تعلى به، وإن روح الكافر تهوي به، ولم نعلم أحدا قال: أن الجنة في الأرض ثبت أن الجنة فوق السموات ودون العرش.
واحتمل قول الله عز وجل:{وإذا السماء كشطت} أنها تكشط عما وراءها