للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الجنان فتظهر آثارها. وأن يكون ذلك أولى بها في قوله عز وجل: {وأزلفت الجنة للمتقين} وقد قالت الأوائل: أن فوق السماء عوالم لا يقدر المناطقة على أن يصفوا حسنها، وإليها تشتاق العقول.

وهذه إشارة منهم إلى الجنان ونعيما، وأن لم يسمعوا بأسمائها. وفي كتاب الله عز وجل: {عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى} وفي بعض الأخبار: أن جنة عدن تحت ظلال العرش وفي قول الله عز وجل بعد قوله {ولمن خاف مقام ربه جنتان. {ومن دونهما جنتان} دلالة على أن الجنان في العلو ولذلك يكون بعضها دون بعض والله أعلم.

وأيضا فقد تتابعت الأخبار بذكر الصراط وسمي في بعضها جسر جهنم فعلمنا بهذا أن الجنة لا في الأرض ولا عند نهايتها ذائبة منها. إذ لو كانت كذلك لم يحتج الصائر إليها إلى جسر يجتاز منه إليها. وفيما وردت به الأخبار من هذا بيان أنها في العلو كما أن جهنم في السفل والله أعلم.

وإذا كان الأمر على ما وصفنا، وكان الله تبارك وتعالى لم يهئ الناس هيئة من سفل إلى علو من غير سبب يتعلق به، فيمسك قدميه، احتاجوا في الانتقال من الأرض إلى الجنة إلى سبب متصل من طرف الأرض إلى طرف الجنان، فكان ذلك هذا السبب هو الصراط الذي جاء به الخبر.

وروى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أن على جهنم جسرا أعلاه نحو الجنة وخص منزله بجنبيه كلاليب ومسك من النار، يجلس الله تعالى به من يشاء من عبادة الزالون والزالات يؤمئذ كثير، والملائكة بجنبيه قيام ينادون: الهم سلم، ويعطون النور يومئذ على قدر إيمانهم وأعمالهم، فمنهم من يمضي عليه كلمح البرق، ومنهم من يمضي عليه كمر الريح، ومنهم من يحصر عليه كحصر الفرس السابق، ومنهم من يشد عليه شدا، ومنهم من يهرول ومنهم من لا يعطى نور إلا قدر قدميه، ومنهم من يحبو حبوا، وتأخذ النار منه بذنوب أصابها، وهي تحرق من شاء الله منهم على قدر ذنوبهم حتى تنجوا أول النار منه بذنوب أصابها، وهي تحرق من شاء الله منهم على قدر ذنوبهم حتى تنجوا أول

<<  <  ج: ص:  >  >>