للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني عشر من شعب الإيمان

وهو باب في الرجاء من الله جل جلاله

وهو على وجوه:

أحدها: رجاء الظفر بالمطلوب والوصول إلى المحبوب.

والثاني: رجاء دوامه بعدما قد حصل. والثالث: رجاء دفع المكروه وصرفه لئلا يقع. والرابع: رجاء الدفع والإماطة لما قد وقع.

وكل ذلك حسن جميل على التفضيل الذي بينا ذكره للدعاء، وإذا استحكم الرجاء حدث عنه من التخشع والتذلل نحو ما يحدث عن الخوف إذا استحكم لأن الخوف والرجاء متناسبان إذ الخائف في حال خوفه يرجو إخلاف ما يخافه ويدعو الله به ويسله صرفه، فلا خائف إلا وهو راجي، ولا راجي إلا هو خائف، ولذلك كانت طريقتهما في الدعاء والاستكانة واحدة فالراجي بقوة رجائه وشدة رغبته فيما يرجو لا يبقى شيئا أو يرى أنه يقرب مراده إلا وينتهي إليه، والتذلل لمن وقعت الحاجة أولى سبب لتقريب المراد، لأن من إليه حاجة إذا كان كريما- أي لصاحبها- يتذلل لله حقا، وأوجب له به ثوابا، وقد لعم أنه لا ثواب أحسن موقعا عنده من نيله ما يريد، وهو يجيبه ولا يخيب رجاءه.

والدعاء والجملة من جملة التخشع والتذلل، لأن كل من سأل ودعا فقد أظهر الحاجة وباح بها واعترف بالذلة والفقر والفاقه لمن يدعوه ويسأله، فكان ذلك في العبد نظير العبادات التي يتقرب بها إلى الله عز اسمه، ولذلك قال الله عز وجل: {أدعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} فأبان الدعاء عباده، والخائف فيما وصفنا كالراجي لأنه إذا خاف خشع وذل لمن يخافه، وتضرع إليه في طلب التجاوز عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>