فإذا وقع ذلك من العبد لله جل ثناؤه، كان ذلك في الاعتراف بالحاجة إليه والذلة له، نظر عباداته التي يتقرب بها إليه، ولأجل تناسب الأمرين جمع الله تعالى بينهما في غير آية من كتابه فقال:{وادعوه خوفا وطمعا أن رحمة الله قريب من المحسنين} فالخوف للإشفاق، والطمع للرجاء. وقال في قوم مدحهم وأثنى عليهم:{يرجون رحمته ويخافون عذابه}. وقال:{ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين}.
فالرغبة والرجاء والرهبة والخوف، وإنما كان الرجاء من شعب الإيمان لأنه من إمارات التصديق، وإمارات التصديق كلها إيمان فكذلك الرجاء. وبين ما قلنا أن من لا يصدق بأن له ربا أمره بهذه وهو على ما يشاء قدير، لا يرجوه، فإن من الموجود بيننا إن كل عبد فإنما يأمل الخير من قبل مالكه ولا يأمله حتى يعلم مالكه أنه قادر على إبطاله، فدل ذلك على أن تعليق العبد أمله بالله تعالى تصديق منه به وبملكه وقدرته موجودة. فوجب أن يكون ذلك إيمانا كسائر ما تحرك عليه التصديق.
وقد ضرب بعض العلماء الآيات: إن التصديق قد يكون بالفعل كما يكون بالقول مثلا. فقال: لو أن رجلا قال لرجل في يوم تسفر السماء فيه مصحية والشمس طالعة. أنا نظر الساعة فقال الآخر: صدقت فسميناه مصدقا. ولو أنه بعد قوله قام يجمع ثيابه ويكنس سطحه ويفتح مجاري الماء لما عد الصلاة هذه الأفعال دون قوله صدقت. بل أجروه مجراه وجعلوه تصديق مثله. فإن هذا على أن كل ما كان من إجازات التصديق بالله تعالى فهو إيمان كالإقرار والله أعلم.
فإن قيل: فإن ضد الرجاء اليأس، أتقولون أن اليأس كفر كما قلتم أن الرجاء إيمان.
قيل: الرجاء يوقع الخير من الله تعالى للعلم بأنه بيده لا مالك له غيره ولا مانع لما أعطاه لا معطي لما منه، وضده صرف الأهل عن الله تعالى.
أما التكذيب به أو بأنه الرازق والمعطي والمانع والمدبر والمقدم والمؤخر، والرجاء على الوجه الذي ذكرت إيمان، واليأس على وجه الذي وصفت كفر، قال الله عز وجل حكاية عن يعقوب صلى الله عليه وسلم:{إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}.