وأما إذا كان اليأس على وجه الاستبعاد للمأمون، وترجح أنه لا يكون، على أنه يكون في النفس فذلك خطأ وضلال. وقال الله عز وجل:{ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون}.
ويدخل في الرجل يسرق على نفسه، وينهمك في المعاصي ويغرق في الذنوب ثم لا ينزع عنها ولا يتوب ما يطأ من أن تنفعه التوبة مع عظم ذنوبه وطول أيامها فهذا مثل جهل وخطأ، لأنه لو لم يكن في النزوع إلا قلة الذنوب لكان ينبغي له أن يختار على التمادي والإصرار فكيف وفيه تمحيص ما مغني وتكفيير؟
وفي هذا يدل قوله عز وجل:{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
ويدخل فيها الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها. قال:{أنى يحي هذه الله بعد موتها، فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال، كم لبثت، قال: لبثت يوما أو بعض يوم قال: بل لبثت مائة عام. فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه، وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما، فلما تبين له قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير}، أي لا تستبعدن مع علمك بقدرته أصلا. وبالله التوفيق.
والقول في الخوف نظير القول في الرجاء: فلو سأل سائل فقال:
إذا كان الخوف من الله جل ثناؤه إيمانا، أتقولن أن الأمن منه كفر؟ قيل له: الذي ينشأ عن المعرفة بالله حل ثناؤه إيمان، والأمن الذي ينشأ هن الجهل به كفر، وأما ما يشبه الأمن من الانهماك إلى المعاصي، وترك أخطار العقبى بالقلب من غير جهل بالله تعالى، فإنه غفلة وضلال وليس بكفر. وهذا يقع من العبد على وجهين:
أحدهما: أن يرى نفسه قد ركب من المعاصي رأسه، ولا يرى من الله جل جلاله تغييرا عاجلا فيغفل عن المؤاخذة وينساها أصلا، ولا يرى من الله جل جلاله كالماشين، إذا استمرت بهم أيام الحر وتطاولت عليهم بسوء البرد، وغفلوا عنه فلم يذكروه ولم يخطر بقلوبهم أنه آيتهم، فيستعدوا إلى أن يهجم عليهم بغتة.