وأما ما يخص قولنا أن الخوف من الله تعالى إيمان فالدلالة عليه قوله:{وخافوني إن كنتم مؤمنين}. فلما كانت طاعة الله ورسوله إيمانا كان خوف الله إيمانا. وقوله جل جلاله:{ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق} فإنه تعالى طالب الخشوع من قد آمن واستطابه فيه لأجل ما قدم من الإيمان. فدل ذلك على أنه طاعة من الطاعات التي يحرك عليها الإيمان، فوجب أن يكون إيمانا كأمثاله. ويقدر بهذا أن ضد الخوف الأمن، والأمن من الله تعالى من غير إيمان منه كفر، لأن ذلك لا يقع من صاحبه إلا على أحد أوجه:
أما أن يقدر به عجوزا عن مؤاخذته ويظن به إغفالا وتصنعا لأمره. أو يرى أنه راض عنه غير مفكر ما يفعله أو يتركه، إذ كان لا يفعل إلا ما أمر به ولا يتركه إلا ما نهاه عنه، أو يحسب أن ما يفعله يخفى عليه، فلا يعلمه. وكل هذه الأوجه ترجع إلى إضافة النقص إلى الله تعالى وإجازته عليه وذلك كفر.
ولعل قائلا يقول في هذا الموضع: ما في ظن العبد أنه إذا أقام الطاعات وتجنب المعاصي، فلا ينبغي أن يكون عليه خوف ما ينبغي أن يلام عليه.
فيقال له: موضع الخلاص في هذا أن الله عز وجل على العبد سلطانا من غير وجه الأمر والنهي، وهو أنه يملك أن يسلبه ويعرضه للمصائب والمكاره من غير ذنب يكون منه كما يفعل ذلك بغيره وأحد من رسله صلوات الله عليهم.
وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل". فإذا اعتقد العبد أنه إذا أدى الطاعة في أمره ونهيه فلا ينبغي أن يخافه، فإذا اعتقد أن لا سلطان له عليه للأمر قبل التكليف، وهذا كفر. ثبت أن الأمر من الله تعالى بلا نص إيمان يكون منه جل ثناؤه وكفر، فوجب أن يكون ضده وهو الخوف إيمانا وبالله التوفيق.