دونه. وإن زوجه وهو صغير لزمه النكاح، وإن يزوجه كبيرًا بغير إذنه، فقد اختلف فيه، وجعل له أن يستخدمه ويخدمه غيره وهو كاره. وأن يتبع خدمته وأن يصرف عليه خراجًا وهو كاره، ويسافر به وهو لا يعرف قصد سيده، فيصير مسافرًا بسفر، يقصر بقصره، ويفطر بفطره. وهذه أحكام ثابتة وجبت وجوب سائر أحكام الشريعة لا تضيع من سيده، ولو أراد السيد أن يغفر له عن شيء منها، ما يعيد عفوه، ولا يغير الحكم لإرادته.
فإذا استعصى العبد على سيده والحق الإضرار بنفسه، فإنما يستعصى على الله عز وجل وكان حكمه ما ذكرنا والله أعلم.
وأيضًا فإن الله عز وجل جعل كل مالك ظاهرًا بالحقوق التي ذكرنا على مملوكه، فكذلك جعله ولي نفسه، والقيم عليه يعوله ويمونه ويعلمه بالدين ويروضه وينفعه، كما يفعل ذلك لولده. فلم يكن له أن يعصيه فيما هو من حقه، كما لا يكون للولد أن يعق الوالد ويعصيه فيما هو من حقه.
وأيضًا فإن العبيد والإماء أمناء ساداتهم على أنفسهم وما تحت أيديهم. فأي شيء خانوا ساداتهم فهم فيه كسائر الأمناء إذا خانوا، غير أن خيانتهم في نفوسهم الأباق أو في منافع أبدانهم بمنع الخدمة وإظهار العصيان أقطع. قال النبي صلى الله عليه وسلم:(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). فالعبد راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه، وإذا خان كان مسؤولًا عما في يده من مال سيده، فهو بأن يكون مسؤولًا عن نفسه، وهو مال سيده أولى وأحق والله أعلم.
ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم كما وصلى المالكين بالمملوكين، فكذلك قد عرف المملوكين حقوق المالكين، وبين لهم ما يستحقونه من الأجر، إنما حقوق المالكين إليهم دلالة على أنهم إن حبسوها عنهم كان ما يستحقونه من الإثم بقدره.