للنبي صلى لله عليه وسلم ومخلين بينه وبين العدو تلاق، وأما إذا بعث سرية وجلس بالمدينة فصلى، كان لهم إذا خافوا على أنفسهم من مثليهم أن ينحازوا إلى المدينة على أن يستمدوا النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أمدهم وأمرهم بالعود عادوا، فأما أن ينجوا برؤوسهم ويقعدوا في بيوتهم فلا. فلما أعلم تلك الطائفة النبي صلى الله عليه وسلم بحالها، قبل أن تقر في بيوتها، ومن غير أن يحقن على انسحابها، أخرجها ذلك من حكم الفرار والله أعلم.
وفي هذا دليل على أنها أرادت الانحياز إلى فئة، فسواء كانت الفئة قريبة أو بعيدة، وسواء وجدوا من يعينهم في بعض الحصون أو القرى، أو كانوا لا يجدون عونًا إلى أن يأتوا مصرًا من الأمصار ويبلغوا حضرة وإليهم والله أعلم.
فإن قيل: وما المعنى في إيجاب الثبات للمثلين، منصورون مؤيدون من قبل الله تعالى، والمشركون مخذولون، فإذا تساوى الفريقان في العدد، ولم يتكافآ في القوة، فجعل الإثنان من المشركين، كالواحد من المسلمين كما جعل المرأتان في الشهادات بمنزلة الرجل، لضعف رأيها وقصور حالها عن حال الرجل والله أعلم.
فإن قيل: إن كان المسلمون مؤيدين من قبل الله تعالى، فلا يلزمهم الثبات لأكثر من المثلين. قيل: لأن ذلك التأييد لا يبلغ أن يعجز المشركون عن المقاومة أصلًا، فإن ذلك حينئذ يزيل فضل الجهاد، ويرفع ما في الجهاد من معنى التعبد، وإنما يكون تأييدًا يليق بطباع البشرية حتى يصير الواحد به مثلًا كاثنين. وقد أخبر الله عز وجل بذلك فإنه قال في آية {إن تنصروا الله ينصركم}. ثم قال:{وإن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين}.
فأما أن النصر الموعودة هي أن الواحد حتى يصير كالاثنين منهم. وإذا كان كذلك، لم يجب الثبات لأكثر من المثلين مع ظهور أمارات العجز، والله أعلم.