والذي يتلو هذا، أن لا يكلفه ما لا يطيق ولا يجوعه، ولا يعذبه، ثم أن لا يعذبه من غليظ القول بما يشق عليه ولا من الضرب بما ينهكه إلا أن يصيب حدًا فيقيمه عليه، وهذه كلها عزائم. ثم أن الأولى به أن يتحمل عنه بعض العمل ولا يقله جميعًا عليه. وأن يطعمه مما يطعم، ويكسوه مما يلبس، ولا يكلفه من الكسب ما يشبه وينبوا طباع الناس عنه، ولا يضر به أصلا، ويدافع بما أمكن، ونهيًا. فإن ضربه حيث يكون له ضربه ولم يصفعه، ولا يترفع عن مواكلته، بل يجلسه معه إلى جنبه، ولا يكلفه القيام بين يديه وعنده.
فأما أن أجهده بذلك فهو حرام عليه، وينبغي له إذا لم يرض خلقه أن يتبعه، وفرض ذلك عليه، إذا لم يتق عن نفسه بالامتناع عن ظلمه. وإذا ارتضى خدمته زاد في الإحسان عليه، فإذا تطاولت الأيام عليه، ورأى منه أنه ينصح له ويؤدي الأمانة عليه زوجه إن علم به حاجة إلى التزوج، فإن علم لنفسه عنه غنية أعتقه، وأن يعتقه متبرعًا أحسن وأجمل أن يلزمه بدلا، وإذا اشترى رجل به عاهة مستقدرة عبدًا ليخدمه، فإن كره العبد صحته، فليبيعه. وإن اشترى جارية فكرهت أن يسمها أو يضاجعها، فلا يمسها ولا يضاجعها ولا يطأها إلا بإذنها، وبيعها إن أرادت ذلك
والإحسان إلى المملوك يجمع الشكر لله تعالى على الفكاك والسلامة من ذل الرق، والعدل والإنصاف فيمن يضمه الملك، واستطباة نفس الملوك، واستجلاب طاعته ومناصحته، ففيه نظر للمالك دنيا ودينًا، ونظر للملوك. وبذلك جاءت الأخبار مجملة ومفصلة.
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) وقال صلى الله عليه وسلم: (من لا حكم من مملوكيكم فاطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، ومن لا يلائمكم فبيعوه ولا تقدموا عباد الله) وقال صلى الله عليه وسلم: (جعلهم الله فتنة تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه