ومما يدخل في هذا الباب تسليم الناس بعضهم على بعض عند الدخول عليهم، وقد ورد بذلك القرآن، ورويت فيه وفي آدابه وأحواله أخبار. قال الله تعالى:{لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها}. فيحتمل معنى تستأنسوا: تستبصروا التي يكون دخولكم على بصيرة، فلا يوافق دخولكم الدار حالًا يكره صاحبها أن تطلعوا عليها. وهذا كقوله عز وجل في خبر الفاسق:{فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة}. أي لا تعتمدوا خبر الفاسق، واطلبوا البيان من وجه آخر، لئلا تصيبوا قومًا بجهالة فتندموا.
ثم جاء عن قتادة وعكرمة في قوله عز وجل {تستأنسوا} بأن تسلموا على أهلها. وبهذا جاء الخبر. روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار سعد بن عبادة، فقال: السلام عليكم، فرد سعد السلام، خافضًا به صوته. فقال قيس بن سعد أيأذن له رسول الله فقال:(دعه يكثر علينا من السلام. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام عليكم، فرد سعد خافضًا صوته، ولكني أحببت أن يكثر علينا من السلام فرجع معه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل فاغتسل، ثم أتى بملحفة مصبوغة بورس وزعفران، فاشتمل بها، ورفع يديه فقال: (اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على آل سعد بن عبادة). وذكر الحديث، وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم كان سلم ثلاثًا ثم انصرف.
ويروى أن أعرابيًا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليأذن أهل البيت مرة فليسلم. فسمعه الأعرابي فسلم، فأذن له). وروى أن امرأة يقال لها ريحانة قالت: قمت على باب عمر رضي الله عنه، فقلت: ادخل. فأذن لها بعض أهل البيت. فلما رآني عمر رضي الله عنه قال: ارجعي، فقولي: السلام عليكم، وإذا قالوا: وعليكم، فقولي: ادخل. فهذا على أن صاحب الدار إن رد السلام وقال: ادخل، استغنى عن استئذان آخر وإن اقتصر على الرد احتيج إلى استئذان بعده. ومن أتى باب