إذ دخلوا على داود ففزع منهم، قالوا: لا تخف، خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط، وأهدنا إلى سواء الصراط. إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة، فقال: اكفلنيها وعزني في الخطاب. قال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه، وإن كثيرًا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم، وظن داود إنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعًا وأناب فغفرنا له ذلك، وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}.
أخبر الله عز وجل في داود أنه سمع قول المتظلم من الخصمين، ولم يخبر أنه سأل الآخر إنما حكى إنه ظلمه. فكان ظاهر ذلك أنه رأى في المتكلم تحايل الضعف في العظمة، فحمل أمره على أنه مظلوم كما يقال، ودعاه ذلك إلى أن لا يسأل الخصم، فقال مستعجلًا: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه، مع إمكان أنه لو سأله لكان يقول: كانت له مائة نعجة، ولا شيء لهذا، فسرق مني هذه النعجة. فلما وجدتها عنده، قلت له: أرددها، وما قلت له: اكفلنيها، وعلم إني مرافعه إليك فخزي قبل أن أجره، وجاءك متظلمًا مني قبل أن أحضره لتنظر إنه هو الحق، وإني أنا الظالم. وكما تكلم داود بما حملته العجلة عليه علم إن الله عز وجل خلاه فعتبه في ذلك الوقت، وهو الفتنة التي ذكرها، إن ذلك لم يكن إلا عن تقصير عرفه فيه، فاستغفر ربه وسجد لله شكرًا على أن عصمه. فاقتصر على تظليم الشكو، ولم يزده على ذلك شيئًا من انتهار أو ضرب أو غيرهما مما يليق بمن تصور في القلب إنه ظالم، فغفر الله له، ثم أقبل عليه يعاتبه فقال:{يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله}. فبان بما أخصه الله تعالى من هذه الموعظة التي توخاه بها بعد المغفرة، إن خطيئته إنما كانت التقصير في الحكم والمبادرة إلى تظليم من لم تثبت عنده مظلمة، وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما إنه قال: سجدها داود شكرًا، فسجدها النبي صلى الله عليه وسلم إتباعًا، وسجدها لذلك، فثبت إن السجود للشكر سنة متوارثة عن الأنبياء عليهم السلام.
فإن قيل: ليس في الآية ذكر السجود: قيل: بلى، فيها ذلك قال عرف عن الحسن