وعن النبي صلى الله عليه وسلم:(الوضوء قبل الطعام ينفي الغمر وبعده ينفي اللحم) ومعناه -والله أعلم- ما ذكرت من إلمام بعض الحيوانات المضرة باليد الغمرة، والوضوء قبل الطعام بالماء وحده إن لم يكن باليد علق من الأذى، وبعد الطعام أيضا يختلف. فإن كان الطعام شئ يختلف لا يعلق باليد منه ما لا يزيله الماء وحده، والماء كاف. وإن كان دسما فالماء والأسنان أو الصابون. قال محمد بن بشر الأسلمي: حدثني أبي عن جدي، وكانت له صحبة، أنه أتى بوضوء بعد طعام طعمه، فغسل يديه فأخذ الأسنان بيمينه، فجعل الأعاجم ينظر بعضهم إلى بعض يتعجبون منه، وإذا علق بالأسنان لحم أو غيره من الطعام، فينبغي أن يخرج منها بخلاله ويرمي به. وليس كالذي يبقى على الأصابع فيعلق، لأن الذي يكون على الأصابع لا يتغير والذي يعلق بالأسنان يتغير.
وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلا بفيه أكل، فقال ما كان يدبر هذا؟ قال: تخللت بقصبه، فهاج بي فكتب بذلك إلى الآفاق، فنهاهم أن يتخللوا بالقصب. وفي هذا دليل على أنهم كانوا يتخللون بغيره فلم ينههم عنه. وبالله التوفيق.
وأما الأشربة. فقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أحب الشراب إليه الحلو البارد. وأنه كان ينبذ له التمر بالغدة فيشربه عشيا، وينبذ له بالعشي فيشربه بالغداة ونهى عن الخليطين. أن ينبذ الزبيب والتمر معا، أو البسر والتمر معا. وروى أنه قال:(طعامان في شرب واحد) فكأنه عد من ذلك إسرافا، وهو كذلك لأن أحدهما يطلب الماء وبلغ به، أن يستلذ به، والآخر فضل وإسراف وتعطيل لمنفعته. ولكن هذه العلة لا تكمل للتحريم، ومن قال أن الخليطين حرام، قال: التخليط يشرع به الشراب إلى التغير فهو كالشروع في الإفساد. فلذلك نهى عنه وحرم. وليس ذلك كخلط أذرية وعلها بهما، وأخذا نقعا أو طبخا، لأن ذلك أمر لا بد منه في تعديل طباع بعضها ببعض. وهذا منه بذرا يأكل ما أسكر فهو حرام، قليله وكثيره، خمر كان أو غير خمر. وقد تقدمت رواية الأخبار في ذلك، وفيه الحد. لأن ما اختلف العلماء في تحريمه فلا يفسق شاربه ما لم يسكر. وإن كان محده كافيه حاكم والله أعلم.