ليس من أركان التوبة، على المعنى، أنه يحتاج إليه مع الندم لتتم التوبة، وأما قول الله عز وجل في قصة أبينا آدم صلوات الله عليه، {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} وأثابه هذا بكلمات في آية أخرى، وهو قوله:{ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} فليس فيه إلا حكاية ما كان من آدم عليه السلام حين تاب عليه. لا يدل على أنه لو ندم ولم يستغفر بلسانه لم يكن تائبًا، لأنه قد قال:{وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}.
ولا خلاف في أن من لم يقل ذلك واقتصر على أن يقول: رب اغفر لي كان كافيًا. فكذلك لو ندم ولم يستغفر بلسانه لكان كافيًا.
وأيضًا فإن التوبة لما كانت من الفرائض أشبهت الصلاة والصيام ومعلوم أن من صام وصلى لم تتعلق صحتها منه وتمامها بأن يقول: اللهم تقبل مني. فكذلك صحة التوبة وتمامها لا تتعلق بأن يقول: اللهم اغفر لي. وأما إذا استغفر ولم يثبت فقد يجوز أن يغفر الله له ويسقط الذنب عنه في حكم الآخرة، ولكنه لا يدري أن الله تعالى جده أجاب دعاءه أو لم يجب، فلا يزال أحكام ذلك الذنب عنه بل يفسق ويرد بها ربه. وإن كان فيه حدًا أقيم عليه، والله أعلم.
وأما إذا تاب ولم يستغفر بلسانه أسقط حكم الذنب عنه، لأن الله تعالى فرض التوبة ولا يفرضها ثم لايقبلها، وأخبر مع ذلك بأنه يقبل التوبة عن عباده، ولا يجوز عليه أن يخلف وعده. فصح أن قبول التوبة من التائب أمر تقع كناية العلم به. فيجوز بذلك أن تتبعه أحكام، ولم يخبرنا في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إن كل من دعاه وسأله المغفرة، أجاب دعاءه. ولكن شرطه في الدعاء أنه يجيبه إن شاء الله، فقال:{بل إياه تدعون} فكثف ما تدعون إليه إن شاء. وأبان رسوله صلى الله عليه وسلم. إن إجابة الدعاء ليست أن يعطي الداعي غير ما سأل، لكن ذلك يكون، ويكون ليدفع عنه مكان ما سأل بلا مماطلة، ويكون أن يعوض منه الآخرة خيرًا منه.
وإذا كان كذلك، لم يعلم بنفس الاستغفار أن الذنب قد سقط عن المستغفر كما يعلم بنفس التوبة أن الذنب قد سقط عن التائب، والله أعلم.