عليه أن يذبح ابنه، فلما هم بذلك فداه بذبح عظيم. فثبت أن التقرب بإراقة الدماء لوجه الله تعالى سنة للأنبياء صلوات الله عليهم، وأنها من جملة ما أمرنا بالاقتداء بهم فيه. ومعنى ذلك- والله أعلم- أن من حج واعتقد في حجة ما قدمنا ذكره في بابه من أنه قد انسلخ من رتبة الدنيا وشهواتها وخلفها وراء ظهره وتاب من الذنوب وطهر منها قلبه، وجاء مقتدرًا متنصلًا متثيبًا إلى ربه، أمر أن يقرن بذلك قربانًا يقربه له من بعض ما أحل له من بهيمة الأنعام، حتى إذا رمى اتبعه نحره أو ذبحه، وكان كأنه يقول: اللهم إني قد أثبت مبين التقصير بك في حقوقك، وكسب من السيئات ما كان لي إلى نحر نفسي سبيل لنحرتها عقوبة لها بما أسلفت من المعاصي، ولكنك حرمت ذلك علي وأحللت لي بهيمة الأنعام، وإني متقرب إليك بهديي هذا، فاقبله، واجعله فداء لي بمنك وطولك، كما فديت ابن خليلك إبراهيم عليهم السلام بالذبح العظيم، برحمتك وفضلك، واقبله مني كما قبلت من إبراهيم خليلك صلوات الله عليه، ومحمد نبيك ورسولك صلى الله عليه وسلم. ويخطر هنا بقلبه ويعتقده، ويعلم أن هذا معنى قربانه وغرضه، وإن قال بلسانه فلا بأس، وما قتله من هذا فهو من الأضحية مثله، ليس بينهما فرق سوى أن ذلك هدي إلى البيت الحرام، وهذا ليس بهدي، وهما جميعًا سنة، وليس واحد منهما بفرض، لأن الإخلاء من التوبة يجزي عن الفدية كما يجزي عن الاستغفار، لكن الاستغفار معها من أعظم السنن.
كذلك القربة والزيارة على الزائر الواحد من القربان تجري عنهما التوبة كذلك يجري عن الدم أصلا والله أعلم. ثم قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أربع لا تجري من الضحايا: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء التي لا تنقى). وأجمع العلماء على أن العمياء لا تجري والجرباء لا تجري، والأصل إنما يقص منها شيئًا هو مأكول في نفسه، أو يؤثر في لحمه وشحمه، فينقص منها نقصانًا بينًا لم يجر معه هدي ولا أضحية. فأما نقصان المأكول فكنقص الأذن، وأما نقصان ما يؤثر في اللحم والشحم فنقص العين، وقيل إن نقس اللسان يجمع الأمرين، لأن الإنسان مأكول في نفسه، ونقصانه أو عدمه يعجز عن إحالة العلف في الفم ويضعف عن الطعم فيضر بالشحم واللحم، فلا يجوز ما لا لسان له، كما لا يجوز ما لا أذن له، ولا ما قطع من