ظن به فقبله، أو كان استضافه، فإن استضافه أمانة، ويدخل في عهده، لأن قبول الضيف لا يكون إلا للقرى، وإذا لم يقره ولم يكرمه كان كمن قبل أمانة ثم ضيعها.
ألا ترى أن لوطًا النبي عليه السلام كيف شرح صدرًا بأن يقري الذين قدرهم لضيافة ببناته، فقال:{هؤلاء بناتي هن أطهر لكم، فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي}. وقال:{إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون}. لو رأى أن الأضياف أمانات لما التزم في بناته ما لا شيء أشد على قلوب الرجال منه.
وفيه أن التقصير في حق الضيف لوم وخشية، والله عز وجل بعث لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، وقال: أن يحب معالي الأخلاق وينقص بسفسافها. فدل ذلك على أن معاملة الضيف بغير الإكرام ليست من أخلاق هذا الدين والله أعلم. ثم قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(الضيافة ثلاثة أيام فإن جاوزها فهو صدقة) وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم، فإن أصبح بفنائه، فهو دين عليه إن شاء اقتضاه).
وقال صلى الله عليه وسلم:(الضيافة ثلاثة أيام، وجائزته يوم وليلة وما أنفق عليه بعد ذلك فهو صدقة له ولا يحل له أن يثوى عنده حتى يخرجه). فبان أن الضيف إذا لم يوجد بعد ثلاث لم يكن له الإخلال بحقه في الكراهية له، لو وقع في الثلاث، لأن الصدقة تكون بحسب رأي المتصدق، وكما يمكن ويتسر. وإكرام الضيف أن يلقاه صاحب البيت بالطلاقة والبشر، ويحضر ما يحتاج إليه قبل الوقت الذي يتوقعه فيه، وأحسن وأوفر بما جرت به عادته مع أهله وولده. ويثويه أوسع ما عنده من الأماكن وأنزهها وأشرحها لصدره، وأسنحها في الشتاء، وأدوجها في الصيف، ويفرش مجلسه ومرقده أحسن وأنعم مما يفرشه لنفسه. ويحتمل عنه من مؤن من يصحبه من خدامه ودوابه ما يحمل من مؤونة نفسه. وإذا خرج زوده ما يكفيه يومه، وشيعه ميلًا إن كان عليه خوفًا، فقدر على أن يمده بمن يأمن بمرافقتهم إلى المنازل، وفعل ذلك حسن والله أعلم.