ويعرض عنه فلا يكلم الملاهي ولا يشارك في حديثه، ولا يجلس عنده فيصغي إليه. وإن دعت الضرورة إلى الجلوس عند سكت عنه ولم يتلق حديثه منه، كما يتلقى عن اللغو ممن يقوله، ويظهر كراهيته لوجه، وإن أمكن وعظه وردعه عما هو عليه، وصرفه إلى ما هو أولى وألزم، فعل. فأما الإعراض عن أهل النحل الفاسدة فلا ينبغي لمن كان من أهله، ومن كان من أهله فليسكت عنهم إذا لم يكن كلامهم كلام من يحاج ويجادل، وإنما يريدون التشيع والشغب، إلا أن يخشى من ضعضعة المسلمين اعتزازً بهم وجنوحًا إليهم. فلا ينبغي عند ذلك أن يسكت عنهم، وبالله التوفيق.
هذا كله وراء الآيات التي كتبناها والسنة التي رويناها لوجهين:
أحدهما إن ترك الإعراض من اللغو إنما يكون بالإقبال عليه والكلام نحو الكلام، والسمع مستنطق اللسان، فلا يؤمن أن يكون من المقبل على اللاغي، والمخالط له مشاركة له، ومجاراة إياه، وفي الإعراض أمان منه. فلذلك كان أولى.
والوجه الآخر: إن مجالسة اللاغي والإصغاء إليه تضييع للزمان، والعمر مر، والزمان مستعاد فاغتنامه بإنفاذه في الحق والجد أولى من تضييعه وشغله بما لا فائدة منه، والله أعلم.