مثبت من وحدانية الله تعالى وقدسه ووجوب طاعته وتحسين العدل، وتقبيح الظلم والشهادة للذين جاؤوا بالكتب المقدمة، بأنهم جاؤوا بها من عند الله تعالى ما أثبتته تلك الكتب أنفسها. ولو قيل:"مصدقا لما بين يديه من الكتاب"، لصلح، فعلم أن اللام قائمة مقام الهاء في صدقته. ولو قيل:"ومصدقا بما يديه"، لم يدلك على أكثر من أنه أثبت أن كتبا كانت قبله، فثبت بهذا افتراق الصلتين، وتغاير ما يراد بهما، والله أعلم.
وما ينبغي لأحد أن يستنكر هذا الفرق، فإن الوجود منه هو الموافق للصواب والحكمة إذ كان الاعتراف بالله جل جلاله، لابد من أن يسبق حتى يصح القبول عنه وطاعته وعبادته من بعد، والاعتراف بالنبي كذلك لأنه يسبق، ثم تكون متابعته والقبول عنه، ولو تجردت المتابعة بفعل ما يأمر به، والانتهاء عما ينهي عنه عن الاعتراف بالنبوة لما سلمت، ولا سلمت نفعت، فكان حقا أن يعود الأصل من هاتين الخصلتين بإحدى هاتين اللفظتين والتابع منهما بالأخرى. فيكون التصديق بالله إثباته والاعتراف بوجوده، والتصديق له قبول شرائعه، وإتباع فرائضه على أنها صواب وحكمة وعدل، والطاعة فيها لازمة، والمحافظة على حدوده، والثقة بوعده ووعيده.
وكذلك التصديق بالنبي، غير التصديق له. فالتصديق به: هو الاعتراف بوجوده وكونه وإثباته نبيا في الجملة. والتصديق له: إتباعه وطاعته وقبول ما جاء عنه، وكذلك الإيمان بالله: هو الاعتراف به وإثباته: والإيمان له: طاعته وإتباع أمره. وعلى هذا الإيمان بالله أو النبي، إيمان بالدلائل التي دلت عليه، لأنه قبول لدلالتها عنها، وانقياد لموجبها. والإيمان بالكتاب إيمان للدلائل التي دلت على أنه من عند الله.