"واتبعك الأرذلون"، فدل على أنهم أرادوا بقولهم، أؤمن لك. أنقبل عنك ونتابعك ولا نرى أحدا اتبعك إلا الأرذلون لنكون أسوة الأراذل، وإنما نحن أماثل. وكذلك قوم موسى لما قالوا:"أنؤمن لبشرين مثلنا" وصلوا ذلك بقولهم {وقومهما لنا عابدون}، فدل ذلك على أنهم أرادوا: نلتزم طاعتهما فنكون قد عبدنا أنفسا لهما وقومهما لنا عابدون. فنحول الذلة عن قومهما إلى أنفسنا، والعز والرفعة عن أنفسنا إليهما وإلى قومهما. ولو كان المراد نفس التصديق لم يلق أن نعتذر من التأخر عنه بما حكى الله عنهم، أنهم قالوا: لا في الطباع والعادات ولا في قياس النظر، لأن أتباع الأراذل رجلا لا يجعل أن يكون صادقا في قوله، ولا العبودة تجعل أن يكون العبد صادقا في قوله. فأما الاعتذار من ترك الطاعة والانقياد بمثل ما ذكر فلائق بما في الطباع، وإن كانت الشرائع لا تسوغه. فيثبت أن المراد بالاثنين ما قلنا، وفي ذلك ثبوت ما وصفنا. وبالله التوفيق.
وجواب آخر: وهو أنا وجدنا في الكتاب والسنة وإيجاب العمل والندب إلى أعمال. ووجدنا في اللسان أن إتباع الأمر إيمان للأمر. فعلمنا من ذلك أن الأعمال التي أمر الله جل وعز طاعة له، والفرق بين الإيمانين قد مضى ذكره وتقريبه والله أعلم، وبه العصمة والتوفيق.
ذكر الكلام مع الفريق الآخر: وأما الدليل على أن الطاعات كلها إيمان. فهو أن الإيمان عند العرب التصديق، وكل طاعة تصديق، لأن أحدا لا يطيع من لا يثبته، أو لا يثبت أمره ولا يعتد به، وإذا كانت الطاعة لا تقع إلا لأمر آمر علمنا أن فعل الطاعة تصديق بالأمر وللآمر، فكذلك قلنا أنه إيمان.
ووجه آخر: وهو أن الدوام على الإيمان إيمان، وهو منزلة بعد الانتقال عن الكفر، وإنما كان ذلك إيمانا لأنه طاعة، فكل طاعة فهو إيمان قياسا عليه.
ووجه آخر: وهو أن كل مستحق بفعله ثواب وبتركه عقاب، فهو إيمان قياسا على الإقرار والاعتقاد.