- واسأل الله التوفيق- أن لا ينسخ ولا يدرس لم روى عن عمر رضي الله عنه أنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحيفة فيها التوراة، فكان يقرأها ورسوله صلى الله عليه وسلم بتغير لونه من الغضب، وعمر رضي الله عنه لا ينظر إليه فلا يراه، فلما فرغ قال له:(أمنهو كون فيها أنتم يا ابن الخطاب، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي). فقال عمر: فوددت مما رأيت رسول الله لو كنت أسلمت يومئذ.
ففي هذا الخبر أنه لا ينبغي للمسلم أن يدرس التوراة، فلا يجعل لها صحيفة عنده، ومعنى ذلك- والله أعلم- أن النسخ والدرس إنما يراد بهما حفظ الكتاب عن الفناء والضيع، وليس على المسلمين من ضياع تلك الكتب من أيدي اليهود والنصارى ضرورة لأنهم في بقائها في أيديهم نفع، بل ذهابها خير على المسلمين من بقائها، وبقاؤها أضر لهم من ضياعها، لأنها ما دامت عندهم وفي أيديهم، فإنهم يدعون لأجلها أهل الكتاب ويظهرون من أنفسهم الاستغناء بها مما عندنا، وإذا عفت ودرست ولم يبق عندهم منها شيء انقطعت عنا مضاهاتهم إياها، وما تقدرونه من مكافأتنا ومساواتنا، ولعل الضرورة تحملهم على الدخول في ديننا، كما دعت كثيراً من العرب من الفترة في الدخول في دين أهل الكتاب.
فأما القرآن، فإنما ينسخ ويعلم ويتعلم ويتلى آناء الليل والنهار لأنها معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجته الباقية بعده، وجامع الأحكام الثانية التي لا معقب لها إلى قيام الساعة، فلا غنى عن حفظه وصونه عن الذهاب والضياع، وهذا المعنى غير موجود في تلك الكتب فيما بينه في النسخ والدرس والله أعلم.
وأيضا فإن المسلم إذا قرأ التوراة وقف على الأحكام التي كانت يومئذ، ووجد بينها وبين الأحكام المشروعة لنا ذلك التباين العظيم، لم يؤمن أن يكيده الشيطان فيوسوس إليه في بعضها أنه ما يليق به أنه يكون حكماً، لأنه لا يجد له فيما عنده وجهاً. وفي بعضها أن هذا لو كان اليوم حكماً لكان أشبه لما تجده في قلبه قرب وجهه وحسن