فأما ما يصيبنا من خير وشر فإنه وإن كان منك أيضا فإن ذلك بشرور أنفسنا وهي ما تقع من أعمالنا من سيء وقبيح فلست المقصود به، أي ليس غرض المسيء من في إساءة خلافك وعصيانك، كما أن غرض المحسن منا في إحسانه طاعتك وعبادتك، وإنما هو عقله بغرض فيتبع المسيء فيها شوته وأن يكون العصيان عضده وإرادته، ول قصد ذلك لضاهى إبلس ومن كان من المتكبرين، فإنما هذا الكلام تبرأ من النفاق والعناد لا إنه نفى الشر أصلا عن الله، وإنكار أن يقدر الشر وبالله التوفيق.
فإن قيل: قد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} وهذا خلاف ما يقولون!
فالجواب: أن معنى الآية {ما أصابك من شيء} فسرك من صحة بدن وظفر بعد، وسعة رزق ونحو ذلك، فالله متبديك بالإحسان به إليك، وما أصابك من سوء يسؤك، وتعمل فتكسب يدك، لكن الله تعالى مع ذلك سابقه إليك، والقاضي به عليك، كما قال في أخرى:{وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
ويدل على صحة هذا أنه عز وجل قال في هذه السورة:{وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله، وإن صبهم سيئة يقولوا هذه من عندك، قل كال من عند الله، فما لهؤلاء القوم لا يكادونه يفقهون حديثا}. ثم قال بعد هذا بلا تصل {ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك}.
فكان الذي توجبه مجموع الآيات الثلاث التي ذكرتها: إن من أصابك من حسنة من الحسنات التي تقدم ذكرها، فالله موليها ومبتدئ للأنعام بها، وما أصابك من خلافها فالله قاضيها وقادر أيضا، لكنها جزاء لمن أصابه ذلك بكسب حياة على نفسه، فكأنه هو الفاعل بها بمكان نفسه كما أن قتل قتيل كأنما قتل نفسه، وإن كان ولي قتيله هو الي يقتله والله أعلم.
وأما قول الله عز وجل {إنا كل شيء خلقناه بقدر}. فليس على معنى يوجب أن يكون القدر هو القدرة والتقدير. ومعناه أنا كل شيء خلقناه بحسب ما قدرناه قبل أن