وقد بينت فيما تقدم أن هذا حزن السخط وقرح التبذخ، ويدل على ذلك قول الله عز وجل موصولاً بما ذكرت:{والله لا يحب كل مختال فخور}
فأبان أن الفرح ذمه وانكره هو الاختيال والتفخر به على من لا يؤت مثل ما أوتي، وذلك فعل ما يرى أن الذي تيسر له فيمن قبل نفسه، فأما من يعلم أنه إنما أنعم به عليه من لا يعجزة تعميم العباد كلهم بمثل ما أعطاه وخير واكثر منه، فإنه لا ينكر بما أوتيه على غيره ولا يروي أحدكما لأجل أنه لا يرى له مثل ما يرى لنفسه على حمد ربه والتقرب إليه بما يديم له عوارف فضله.
وقال في آية أخرى:{قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله} فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر أمته أنه ليس إليه من أمره شيء، وأنه لا يقدر على أن ينفع نفسه ولا يضرها، ليعلموا أنه إذا كان مع اصطفاء الله تعالى إياه برسالته لا يملك من امر نفسه شيئاً، فمن لم يكن له من الله هذه الأثرة وهذه المنزلة فهو من أن يملك مضر نفسه أو نفعها بعد، وعن أن يملك نفع غيره أو ضره أعجز، وبالله التوفيق.
وأما الحديث الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر، وإن خيره وشره من الله، فقد روى فيه:(وأعلم أن ما أصابكم لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن يصيبك). ومعنى هذا وجوب البصر، وإلى الله تعالى من الحول والقوة والاستسلام للقضاء والقدر وشرح الصدر به. ومعنى حلوه ومره ما سر وجف عن الطبع وساء وثقل على القلب والله أعلم.