ذلك كله يسمى عذاب القبر، بمعنى أنه العذاب الذي يكون ما دام الميت في القبر لم ينشر منه لم يجمع بينه ويبن ما غاب عنه والله أعلم.
ومن قال هذا، قال: إن العذاب لا يسبق الحساب، ولو كان الله عز وجل معذباً قبل الحساب لم يمت بعد، ولينقله عند انتهاء مدته إلى مكان الجزاء الذي أعده له، ويفعل ذلك بالواحد بعد الواحد من غير إمهال وتأخير. فلما أخبر عز وجل أنه:{جامع الناس ليوم لا ريب فيه} ومحييهم وباعثهم ومحاسبهم وجازيهم بما تنطق به كتبهم وصحف أعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر وذلك بعد أن توزن. وتميز بين (من) ثقلت موازينه وبين من خفت موازينه، علمنا أن الذي سبق هذه الأمور بعد الموت هو السؤال ثم التبشير والإنذار والتخويف والإيمان والإطماع في الجنة، أو العرض على النار.
وهذه كلها مما يكفي النفس لها، وليست تحتاج إلى البدن فيها، وإنما تحتاج إليه إذا جاء الوقت الذي يوفى فيه الموعود من تغريق في الهوان، أو تقليب في نعيم الجنان، ويدل على ذلك أن الأخبار وإن جاءت بعذاب القبر فليس في شيء منها إن من لا عذاب عليه يطعم أو يسقى أو يلبس في قبره، فعلمنا أن ما تأجل في ذلك للمحسن، فإن خلافه أيضاً يتأجل للمسيء، وإن التعجيل للفريقين ما ذكر والله أعلم.
ومن قال هذا، قال: معنى أمتنا باثنتين وأحييتنا اثنتين، امتنا بارسالنا من اصلاب آبائنا نطفة ميتة، ثم أحييتنا في أرحام أمهاتنا، هم أمتنا في الدنيا ثم أحييتنا يوم القيامة ويحتمل أن يقال أن الميت كلما يحيى للسؤال لأنه إنما يقع في البدن الذي يعم النفس والبدن.
فإذا انقضى السؤال فالجواب أميت ولعل معنى ذلك- والله أعلم- إن الميت قد حول من ظهر الأرض إلى بطنها الذي هو الطريق إلى الهاوية، فيوقف في قبره ويحيى ثم يسأل، فإن وجده الملكان من الأبرار عرجت الملائكة بنفسه وروحه إلى عليين وكان ذلك نظيرا أن يوقف في المحشر على تشفير جهنم، ويستعرض عمله، فإذا وجد في الأبرار أجيز على الصراط، وإن وجده الملكان من الفجار هوت الملائكة بنفسه وروحه إلى