غيري أنه خارج من هذه الأبواب فهو ملتحق بها وداخل بالحقيقة في جملتها، واشتملت إلى وجه ذلك وأوضحته، فصارت جملة أبواب الكتاب اثني عشر، كل باب منها يجمع ما قصدته ووضع له إلا باب الشعب فإنه ينقسم إلى سبع وسبعين بابا كما تقدم بيانه.
وكان مما حدا بي على تأليف هذا الكتاب، ورغبتي في جمع ما جمعته فيه، خوفي على كثير بما ضمنته إياه من دقائق العلم وخباياه ولطائف الشرع وقضاياه بين أن يدثر ويعفو رسمه فلا يذكر لزوال الهم به عن الصدور، ووقوع الإعراض عنه من الجمهور، والاشتغال عن العلوم بالجملة بالتبقر في الأهل والمال، والتهافت في الحرام والحلال، والتنافس في رتب الدنيا والتغافل عن درج الأخرى، والانقياد لدواعي الهوى وإن قادتهم عناتا إلى الردى وتزحزح هيبة الله عز وجل عن القلوب لما ران عليها من ظلم المعاصي والذنوب، والميل في عامة الأمور إلى الحفظ والدعة، وانشراح الصدر بالجهل الذي هو أدرك منازل الضعة. وفساد النيات والدخل وفتور العزائم والهمم. فإن الحال لما آل إلى ما ذكرت، وتراجعت للتراجع الذي وصفت، صارت طاعة الله- تعالى جده- تقام فيما تدعو إليه الضرورات الحاصلة، وتترك فيما تحرك عليه المتوقعات الآجلة. وكان الهم بالعلم بقدر الهم بالعمل، فطلب منه ما يضطر إلى العمل به سبب عاجل، وهجر منه ما لا يحمل على استعماله في الوقت حامل. ولذلك وقع الاقتصار بعد تقادم العهد وتطاول الأيام من امتثال الشريعة على أبواب معدودة منها: استباحة المباحات كالتبسط في المكاسب والتوسع في المطاعم والمشارب، وإنالة النفس هواها من المناكح والملابس، إذ كانت الإباحة للهوى موافقة، وللشهوات والمني مطابقة. ومنها لزوم ما يجري من شرائع الدين مجرى الأعلام حتى لا يكاد المسلمون يتميزون عن غيرهم إلا بها كإقام الصلاة الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت، فإنهم لو أهملوها لالتحقوا في ظواهر ما يبدو للناس من أفعالهم بالذين لا يدينون دينهم ولا يعتقدون ملتهم، فكان القائم في نفس كل ذي دين، وراجع من معتقده إلى يقين من الميل إلى إظهار ما عنده، والكراهة من أن يظن به