ورسوله من العرب ورأس لفضائل الدين، فإذا كانت الأعاجم فيه أرسخ من العرب، فما فضل العرب بعد ذلك على العجم؟
فالجواب -وبالله التوفيق- إن كل فضل ثبت لواحد على آخر، أو لفريق على فريق، لا يخلو من أن يكون رجحانًا في الأسباب التي تتعلق بها مصالح الحياة الدنيا، أو رجحانًا في الألباب التي يستحق بها الثواب في النشأة الأخرى.
وهذا القسم الذي ذكرته آخرًا، ولا يمكن أن يقطع بان العرب فيه أفضل من العجم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض من أهل بيته وأصحابه وأزواجه والأبناء الذين كانوا قبله من العرب، فأما غير الذي ذكرناهم فلا يبعد أن يكون في العرب من يدأب في الصالحات ويتنزه عن السيئات، فكثر بها ثوابه في الآخرة، ويكون بما اكتسب أفضل من عجمي لا يوافي القيامة بمثل عمله. وإذا كان ذلك مما لا يمكن أن يقطع به في الآحاد، فكذلك هو في الجملة، لأنه لا يعلم أحد سوى الله تبارك وتعالى أن جملة العرب أكثر حظًا من إحسانه يوم القيامة أو جملة العجم. وكل ما أورده المعترض من الآيات والأخبار في دفع غيره من تفضيل العرب على العجم، فإنه ينحو نحو هذا الباب وإنما أريد بها الفضل الذي يظهر في الآخرة دون ما سواه، على أنها أن منعت من تفضيل العرب على العجم بالإطلاق، فكذلك يمنع من تفضيل العجم على العرب، ولا ملجأ للمعرض عليها ولا حجة له فيها، لأن النكتة إذا كانت "إن من كان أتقى فهو أفضل" فالتقوى قد توجد في الفريقين، وإن كل أعجمي أتقى من عربي، وقد يكون عربي أتقى من عجمي بالاحتجاج بما يستوي الفريقان فيه، لا يعني في موضع الخلاف شيئًا.
وأما القسم الأول فإنه يتفرع فيه البيان الواقع باللسان المعرب عما في الضمير المترجم عن القلب، وفيه العلم والحكمة، وفيه الحمية والشجاعة، وفيه الجود والسماحة والوفاء بالذمة، فأما البيان، فللعرب فيه التقدم والفضل الذي يعترف به لهم اضرارًا من لم يعترف لهم به اختيارًا، ولهم من أصناف النظم الذي لا يدخل بعضها على بعض نحو نظم الشعر، ونظم الخطب، ونظم الرسائل والاسجاع الحسنة، والأمثال الدالة على وفرة الذكاء، وصحة الذهن. وهذا الفوز في المعرفة والحكم الموجودة في إشعارها الدالة على مثلما وصفنا من دلالة الأمثال ما ليس لغيرهم، وإنما أخذت العجم قول الشعر عن العرب، ثم