ولها علم الفراسة والقيافة المعمول بها في الجاهلية والإسلام، الموثوق بها في مقاطع الأحكام. قد كانت فيها مع ذلك الكهانة والعيافة، فأما الكهانة فلم يكن من قوم أفشى منها فيهم، وكانت عمدتها الأخبار المسترقة من السماء، وأما العيافة فقد كانت من نتاج الفهم والذكاء والكيس. ولكن الإسلام أبطلها، ومتع من النزول عليها والحكم بها، وليس للفرس مما ذكرنا شيء. وقد كان في العرب أيضًا كتب كثير وأطباء معروفون، ثم لا يشكل على أحد أنه لا خط كالخط العربي، ولا لفظ أبهى من اللفظ العربي، ولا قوم أشد حمية ولا أنفة من العرب. فقد قيل: الحمية عشرة أجزاء، تسعة منها في العرب، ولأجلها كانوا يئدون البنات وإن كانت الحمية إذا بلغت هذا الحد، كانت شرفًا، ونهى الله تعالى عن الشرف. ولا قوم أشجع من العرب، ولذلك كان عظم قتالهم بالرماح والسيوف، لأن القتال إذا كان بالسهام تباعدت المواقف، وتباعدها شهادة من كل واحد من الفريقين على نفسه بالإخافة من صاحبه، وإذا كانت بالسيوف والرماح، تدانت الصفوف والدنو من العدو دلالة بأنه الجرأة والشهامة وقلة الحفل بالخصم، ولذلك قال زهير حكيم العرب فيما مدح به هرم بن سنان المري:
يطعنهم ما ارتموا حتى إذا طعنوا ... ضاربت حتى إذا ما ضاربوا أعنفا
وشجعان العرب وأبطالهم معروفون وأخبارهم مدونة. ولذلك جود الاجواد منهم وحفظهم حق الجار والتذمم. فقد كان منهم هاشم بن عبد مناف الذي بلغ بين إطعامه كل من ورد عليه ومر به، إذ كان يقال له:(مطعم طير السماء)، وكان ينفق على الحاج في كل سنة ربع ماله، وقد كان في العرب من لا يسميهم من أثر غيره على نفسه بما كانت في قعده هكلته. ومنهم من ورد على أسير فاستغاث به ففداه، وماله غائب عنه فأطلقه، وأمام في القدم كأنه حتى أحضر ماله، فأذاه. ومنهم من استجار به غيره فقتله، فلم يمت من قرابة جاره أحد إلا وذاه، ومنهم من نزل به ضيف، ولا مال له إلا بعير فنحره للضيف، ولولا أن كتابنا هذا ليس إلا لأخبار الديانات لا وردت مما جاء في هذه الأبواب ما يشفي الصدر، ولكنها موجودة عند أهلها لا يتعذر الوصول إليها على من أرادها بإذن الله تعالى.
فأما الفرس بالعراء من هذا كله، وإنما لهم البذح والزهو والصلف والفخر بالأموال