فأثبته بخطه في صحيفة، ثم نسي الحديث، ووجده في كتابه من حيث لا شك في أنه كتابه وخطه، جاز له أن يرويه. وليس الخبر في هذا كالشهادة، لأن الشهادات لا تكثر كبيرة أخبار الديانات، فيمكن من حفظ الشهادات لقلتها ما يتعذر من حفظ الأخبار لكثرتها، ولأن أمر الأخبار أوسع من أمر الشهادات.
ألا ترى أنه يقبل في عامتها النساء والعبيد، ويكتفي بالواحد العدل، ويقبلان عن فلان، ولا يقنع في الشهادات بشيء من ذلك. وإن نسي الراوي الذي عد في كتابه السماع فيه، فلم يذكره بقلبه، ولم يتصور في وهمه شيء من أوصافه وأحواله، ولا ينبغي له أن يروي عنه، لأنه أن روى لم يدر عن من روى في الأول، يروي ما يروي، فكذلك الفرقان، والله أعلم.
وإذا سئل العالم عما لا نص فيه عنده، واحتاج إلى تعرف حكمه بالاجتهاد لم يجز له أن يأخذ على الأخبار بما يظهر له أجرًا، كما لا يجوز ذلك له في النص يؤديه، وأن أفادوا منه أن يجلس لهم أوقاتًا يستفتونه فيها، ويسألونه عما لا يقع ليأخذوا عنه رأيه، ويعلموا طريقة فيها، وكان يتضرر بانقطاعه عن كسب يكون له في تلك الأوقات، فجائز له أن يأخذ أجرًا بما يكون منه قصدًا كما قلت في الرواية والله أعلم.
فصل
وينبغي لطالب العلم أن يكون تعليمه، وللعالم أن يكون تعليمه لوجه الله تعالى لا يريد به المتعلم أن يكتسب بما يتعلمه مالا، ويزداد به في الناس جاهًا، أو على أقرانه استعلاء ولاشداده ألمًا.
ولا يزيد العالم بتعليمه أن يكثر الآخذون عنه، فإذا أخذوا وجدوا أكثر من الآخذين عن غيره، ولا أن يكون علمه أكبر في الناس من علم غيره، بل يريد العالم أداء لأمانه تيسر ما حصل عنده وإحياء معالم الدين وصيانتها، من أن يدرس كتبًا.
روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لولا آية في كتاب الله لما حدثتكم. ثم