من قوله عز وجل} وبالليل أفلا تعقلون {. توهم أن يكون المعنى أفلا يعقلون بالليل، وذلك غير ما أريد بالآية. فوجب أن يبقى ما يجليه ويؤدى إليه.
فالجواب: إن قارئ القرآن ليس بمتكلم عن نفسه، وإنما هو يؤدي عن غيره كلامًا يقطعه أو وصله أو سرده، فإن حكمه لا يتغير بذلك. فإن رجلاً لو شهد عند حاكم فقال: أشهد إني سمعت فلانًا يقول: امرأتي فلانة طالق أو لفلان علي مائة درهم، أو يقول لعبده هذا: أنت حر فسرد شهادته أو فصلها تفصيلا لم تخل شهادته من الصحة، إذا كانت بصلة بين الكلام، والكلام لا يزيد على ما بنفس المستفسر، فكذلك من أدى عن الله عز وجل قوله:} ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله {فسرد ذلك كله سردًا، أو فصله تفصيلاً لم يخل من أن يكون مؤديًا عن الله عز وجل، فلا يقع المؤدى منه إلا على الوجه الذي أراده المؤدى عنه، ولا يكون المؤدي متكلمًا عن نفسه فيغيره الابتداء بها، لا يجوز أن يتكلم به إلا موصولاً بما لا يدخل في عهده والله أعلم.
وتؤكد هذا أنه لا خلاف بين المسلمين في أن القارئ إذا وقف على قوله} ليقولون {وابتدأ} ولد الله وإنهم لكاذبون {. لم يكفر، وإن كان من يفهم المعاني لم يجعل قوله:} ولد الله {خبرًا وكلامًا لنفسه. فلو كان الوقف بغير النفي لكان العامد لذلك يكفر.
وأيضًا فلا خلاف في أن رجلاً لم يحسن من القرآن شيئًا إلا هذه الآية وهي قوله} ولد الله وإنهم لكاذبون {وجب عليه قراءتها في الصلاة، فلو كانت كفرًا لم يجز اللفظ بها فضلاً من أن تجب قراءتها، فتجوز الصلاة بها ويجب للمصلي أجرها والله أعلم.
وجواب آخر: وهو أن الابتداء من قوله} ولد الله {إن كان لا يصلح بالإطلاق، ولا من قوله} وبالليل {. فلذلك الابتداء بحرف التعليل لا يصلح إذا كان لا يذكر بعده ما هو علة له. فإن العرب لا تبتدئ فتقول لتكرمني حتى تقول قبله إنما جئتك أو تقول: ما جئتك أو شيئًا يشبه ذلك. وقد صلح الابتداء بالقرآن بقوله عز وجل:} لإيلاف قريش {يعني أنه ليس كلام ينشئه الهادي من نفسه، وإنما هو كلام