كما نقل عن ابن جريح قوله: ولو كان ابن جريح أخبر ما جاء عنه بخبر عنده ممن فوقه، لم يكتمه، ولا خبر به، لأن كتمان خبر من الأخبار والديانات جناية وغلول. وهو عند المسلمين من العدول. ثم إن في وقوع النص على هذه المواضع الثلاثة دليل على أنها قصدت قصدًا أو خصت بالوقوف عندها، ولو كانوا يتبعون في عامة الوقف الغرض والمعاني، لم يكن لتخصيص هذه الأحرف الثلاثة بالذكر معنى ولا فائدة. وإذا كان كذلك كان لنا أن نعارض المحتج ما جاء في هذه الآيات الثلاث عن ابن جريج، بأن ما عداها لم يكن الوقف فيها مأخوذًا من قبل المعاني والأغراض، وجب أن تكون هذه الثلاث كذلك والله أعلم.
وأما التكثر بالقرآن والفرح به، فإن الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم:} وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة، وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيمًا {. وقال لنساء النبي:} واذكرن نعمتي عليك وعلى والدتك {وقال:} وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل {. وسمى القرآن نورًا وسماه شفاء ورحمة، وسماه مباركًا وهدى فمن أنعم به عليه ويسره له ليعلمه ويقرأه، فقد أشركه مع نبيه صلى الله عليه وسلم في عمله، وإن كان لم يشركه معه في جهة الإيتاء والتعليم، فإن لم يعظم المنعم عليه هذه النعمة، ولم يكن عنده أكبر وأسنى قدرًا من الأموال والأولاد، فهو من أجهل الجاهلين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه:(من قرأ ربع القرآن فقد أوتي ربع النبوة، ومن قرأ ثلث القرآن، فقد أوتي ثلث النبوة، ومن قرأ ثلثي القرآن فقد أوتي ثلثي النبوة، إلا أنه لا يوحي إليه). ويحتمل أن يكون معنى أوتي النبوة أي جمع في صدره ما أنزل على نبيه، لكن لا يوحى إليه فيجوز أن يدعي أنه نبي الله. وأما ترك المباحات بقراءة القرآن، فلما روى أن رجلاً جاء إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال: حدثني حديثًا سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم حفظه قلبك ووعاه سمعك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أول الناس يدخل النار يوم