للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما أن لا يخفي ما يتصدق به، فلما روى عن رسول صلى الله عليه وسلم أن عائشة رضي الله عنها ذكرت عدة من مساكين أو عدة من صدقة، فقال لها (أعطي ولا تخفي فيخفي عليك).

وأما إخفاء الصدقة فلقول الله عز وجل: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم}.

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: شاب نشأ في عبادة الله، ورجل تصدق بصدقة فخفاها حتى لا تعلم شماله ما تعطي يمينه ...). ومعنى ذلك أنها إن لم تكن واجبة فيها الرياء عند الابتداء، فإذا أخفيت كانت عن الرياء أبعد.

وإما إيثار المتعففين، فلقول الله عز وجل: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله}. إلى آخره. ولأن الغالب أن المتعفف الذي لا يسأل أشد حاجة من السائل المتردد. فكانت الصدقة عليه أحسن موقعًا منها على من ليس في الحاجة مثله.

وأما أن لا يعلى بها على السائل، فلقول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}. وقال: {قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى}. ومعنى هذا والله أعلم: أن الصدقة تسر السائل وتعطي للمعطي أجرًا، والمن والأذى بسوء السائل، ويوجب على المعطي إثمًا. فإن ذهب أحدهما بالآخر قصاصًا صار المعطي كأن لم يعط ولم يمتن عليه. وإذا انصرفت إلى وجهه ارتفع حكم التضعيف وذهب منها السرور على المعطي، أولاً بإدخال الإساءة عليه ثانيًا فصار كل واحد من العطاء والمن كأن لم يكن. وأما إيثار المحسن على غيره، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم لما قال له: إني أصبت مالاً كثيرًا لم أصب مثله قط، وإني أريد أن أتصف به إلى الله عز وجل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أحبس الأصل وسبل الثمرة). ولأنه إذا أخذ من

<<  <  ج: ص:  >  >>