للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنا أصوم الدهر كله لا أفطر. وقال الآخر: أنا اعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا، إما والله، أني لأخشاكم الله، واتقاكم له، لكني أصوم وافطر، وارقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).

وقد يجوز أن يكون ما روى عنه من صيام الاثنين والخميس أنه كان إذا لم يرد أيامًا، وأراد أن يصوم يومًا، وجده تحرى أن يكون ذلك الاثنين والخميس.

ومن جمله الصيام صيام شعبان، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم شعبان ورمضان وقالت عائشة رضي الله عنها: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في شهر أكثر من صيامه في شعبان، كان يصوم شعبان إلا قليلا، ما كان يصومه كله.

وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا انتصف شعبان فكفوا عن الصوم). ويحتمل أنه كان يصوم ويأمر أمته أن يكفوا عند انتصافه عن الصيام، كما كان يواصل. ونهى أمته عن الوصال، فإنه ربما خشي على أمته الضعف وكان آمنًا في نفسه، لأنه قد قال في الوصال: (إني لست كأحدكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني). فقد يحتمل أنه كان يطعمه ويسقيه على الحقيقة، بأن يخلق في جوفه طعامًا وشرابًا فيشبعه ويرويه. ويحتمل أنه كان يدفع عنه الجوع ويقويه ويغنيه عن الطعام والشراب، ويصرف عنه شهوتهما، فيكون كالطاعم الشارب والله أعلم.

وأما صيام رجب. فاني لم أجد لها في الأصول المعروفة ذاكرًا، سوى ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل صوم رجب قال: (فأين انتم عن شعبان). وهذا يحتمل أن معناه أن رجب قد ظهر فضله فإنه من الأشهر الحرم، وكان معظمنا في الجاهلية يدعى شهر الله الأصم. فلا يحمل فيه السلاح ولا تسمع قعقته، فلا تسألوني عنه، واسألوني عن شعبان. فإن كان هذا. فقد يجوز أن يكون صومه مستحبًا، ويحتمل أن يكون معناه أن رجب مفضل عن شهر رمضان فهو كالأشهر التي قبله، وإنما المتصل بشهر رمضان والمبشر به،

<<  <  ج: ص:  >  >>