والراحة. فكذلك إذا أوى إلى المسجد مالت نفسه ما بنيت المساجد له، وليس ذلك إلا الذكر والصلاة وقراءة القرآن وكان قلبه مع ذلك عن تذكر النساء وأمرهن غافلاً.
ويستحب لكل من أراد الاعتكاف أن يعتكف في شهر رمضان. وإن كان يريد اعتكاف شيء من الشهر اعتكف العشر الأخير كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن يزداد في العشر الأواخر جدًا واجتهادًا. ثم في أوتارها خاصة إذا كانت ليلة القدر فيها. فإن لم يكن الحظ فيها الدوام، وإنما للمستثمرين المجتهدين القوام، ولأن هذا الشهر يعظم غيره ويزكيه، وقوة الأمل فيه رحمة الله وبركاته، ويتحبب إلى أولياء الله، منهم مغتمون بذهابه كما يفرحون بمجيئه، وحكم كل من يغتم جواره ويكره فراقه أن يكون عام الولوع به ومعرفة حقه عند دنوها به أشد وأكثر. ولقد أوصى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم الأولاد بالوالدين إن بلغوا الكبر، وذلك إنهم إذا بلغوا الكبر، فقد قاربوا القرآن، إذ ليس بعد الكبر إلا محتوم القدر، هكذا الشهر إذا انقضى منه عشر بعد عشر، فليس بعد العشر الثالث إلا الذهاب الكارف. فينبغي لمن كان يسره جواره وبسوؤه إدباره أن يقل في هذا العشر قراره، ويكثر صلاته واستغفاره، ويزداد قرآنه وأذكاره، ويكون في المسجد اعتكافه ويقل إلى المنزل اختلافه إلا فيما لابد منه ولا غنى به والله أعلم.
فصل
الاعتكاف قريب المعنى من الصيام، وكأنه أحد الصائمين كما أن الطواف قريب المعنى من الصلاة، وكأنه أحد الصلاتين، لأن الصيام هجر المألوف من الطعام والشراب والنساء وكذلك الاعتكاف هجر المألوف من المسكن والبناء، فيجتمع الصيام والاعتكاف في أن شرطهما اعتزال النساء. ثم يختص الصيام بهجر الطعام والشراب، ويختص الاعتكاف بهجر المنازل والبيوت، لأنه لا يصح إلا في المساجد. ووجه القربة في الاعتكاف إلى المعتكف يزر البيت لوجه الله تعالى، فيهجر الإستراحة والتبسط في الحديث، والاشتغال عن الذكر والنوم الطويل ونحو ذلك ويقيم في موضع الصلاة منتظر الصلاة بعد الصلاة معرضًا عن اللغو، رافضًا لجميع اللهو، لا يهمه إلا التعبد كما قال الله عز وجل: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم