فَأَمَّا إنْ أُكْرِهَ عَلَى السُّكْرِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَجْنُونِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَالْمَعْذُورُ بِالسُّكْرِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: فَأَمَّا إنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا: احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُخْتَارِ، لَمَا فِيهِ مِنْ اللَّذَّةِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُخْتَارِ، لِسُقُوطِ الْمَأْثَمِ عَنْهُ وَالْحَدِّ. قَالَ: وَإِنَّمَا يُخَرَّجُ هَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ " إنَّ الْإِكْرَاهَ يُؤَثِّرُ فِي شُرْبِهَا " فَأَمَّا إنْ قُلْنَا: لَا يُؤَثِّرُ الْإِكْرَاهُ فِي شُرْبِهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُخْتَارِ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَمَنْ شَرِبَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ: فَفِي صِحَّةِ طَلَاقِهِ رِوَايَتَانِ) . اعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَصْحَابِ أَلْحَقُوا بِالسَّكْرَانِ: مَنْ شَرِبَ أَوْ أَكَلَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. كَالْمُزِيلَاتِ لِلْعَقْلِ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالْبَنْجِ، وَنَحْوِهِ فَجَعَلُوا فِيهِ الْخِلَافَ الَّذِي فِي السَّكْرَانِ. مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ، فِي الْهِدَايَةِ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزُّبْدَةِ. وَمَنْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي السَّكْرَانِ أَطْلَقَهُ هُنَا، إلَّا صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ. فَإِنَّهُ جَزَمَ بِالْوُقُوعِ مِنْ السَّكْرَانِ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَا، وَصَحَّحَ فِي التَّصْحِيحِ الْوُقُوعَ فِيهِمَا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ كَالسَّكْرَانِ. قَالَ: لِأَنَّهُ قَصَدَ إزَالَةَ الْعَقْلِ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إنْ تَدَاوَى بِبَنْجٍ فَسَكِرَ: لَمْ يَقَعْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute