وَقَالَ: هِيَ حَرَامٌ، سَوَاءٌ سَكِرَ مِنْهَا، أَوْ لَمْ يَسْكَرْ. وَالسُّكْرُ مِنْهَا حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَضَرَرُهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ الْخَمْرِ. قَالَ: وَلِهَذَا أَوْجَبَ الْفُقَهَاءُ بِهَا الْحَدَّ كَالْخَمْرِ. وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحَدِّ بِهَا، وَأَنَّ أَكْلَهَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ بِمَا دُونَ الْحَدِّ: فِيهِ نَظَرٌ. إذْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ. وَأَكَلَتُهَا يَنْتَشُونَ عَنْهَا وَيَشْتَهُونَهَا كَشَرَابِ الْخَمْرِ وَأَكْثَرَ، وَتَصُدُّهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي خُصُوصِهَا لِأَنَّ أَكْلَهَا إنَّمَا حَدَثَ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَ ظُهُورُهَا مَعَ ظُهُورِ سَيْفِ جِنْكِيزْ خَانْ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلَذَّةٍ، وَلَا لِلتَّدَاوِي، وَلَا لِعَطَشٍ، وَلَا غَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا، فَيَجُوزُ) . يَعْنِي: إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَيْهِ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَخَافَ تَلَفًا. فَائِدَةٌ: لَوْ وَجَدَ بَوْلًا وَالْحَالَةُ هَذِهِ قُدِّمَ عَلَى الْخَمْرِ، لِوُجُوبِ الْحَدِّ بِشُرْبِهِ دُونَ الْبَوْلِ. فَهُوَ أَخَفُّ تَحْرِيمًا، وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمَا. وَلَوْ وَجَدَ مَاءً نَجِسًا قُدِّمَ عَلَيْهِمَا.
قَوْلُهُ (وَمَنْ شَرِبَهُ مُخْتَارًا، عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا: فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرُهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute