الْخَامِسَةُ: لَوْ رَكِبَ الْمُسَافِرُ النَّازِلُ، وَهُوَ يُصَلِّي فِي نَفْلٍ: بَطَلَتْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُتِمُّهُ كَرُكُوبِ مَاشٍ فِيهِ، وَإِنْ نَزَلَ الرَّاكِبُ فِي أَثْنَائِهَا نَزَلَ مُسْتَقْبِلًا وَأَتَمَّهَا نَصَّ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ " فَإِنْ أَمْكَنَهُ " عَائِدٌ إلَى الرَّاكِبِ فَقَطْ. وَلَا يَجُوزُ عَوْدُهُ إلَى الْمَاشِي وَلَا إلَى الْمَاشِي وَالرَّاكِبِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمَاشِيَ إذَا قُلْنَا يُبَاحُ لَهُ التَّطَوُّعُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إلَى الْقِبْلَةِ، قَوْلًا وَاحِدًا، كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ فِيهِ إشْعَارُ بِأَنَّهُ تَارَةً يُمْكِنُهُ وَتَارَةً لَا يُمْكِنُهُ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الرَّاكِبِ إذْ الْمَاشِي لَا يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ، وَلَا يَصِحُّ عَوْدُهُ إلَيْهِمَا لِعَدَمِ صِحَّةِ الْكَلَامِ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ عَائِدٌ إلَى الرَّاكِبِ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنْ قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: فِي عَوْدِهِ إلَى الرَّاكِبِ أَيْضًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي حَالِ الْمُسَايَفَةِ قَالَ: وَلَقَدْ أَمْعَنْت فِي الْمُطَالَعَةِ وَالْمُبَالَغَةِ مِنْ أَجْلِ تَصْحِيحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا.
قُلْت: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ: فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْأَصْحَابِ صَرَّحُوا بِالرِّوَايَتَيْنِ مِنْهُمْ الشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَبَا الْمَعَالِي وَالْمُصَنِّفَ خَرَّجَا رِوَايَةً بِعَدَمِ اللُّزُومِ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الرِّوَايَتَيْنِ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخَرَّجَةِ فَلَا نَظَرَ فِي كَلَامِهِ. وَإِطْلَاقُ الرِّوَايَةِ الْمُخَرَّجَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ التَّخْرِيجِ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَ صَالِحٌ وَأَبُو دَاوُد " يُعْجِبُنِي لِلرَّاكِبِ الْإِحْرَامُ إلَى الْقِبْلَةِ " وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّ ذَلِكَ لِلنَّدْبِ فَلَا يَلْزَمُهُ، فَهَذِهِ رِوَايَةٌ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الِافْتِتَاحُ إلَى الْقِبْلَةِ لَا يَلْزَمُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute