يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَشْتَرِطَ الِانْتِفَاعَ بِالرَّهْنِ إنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ شَرْعًا مِثْلُ سُكْنَى الدَّارِ وَاعْتِمَارِ الْأَرْضِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: مَنْفَعَةِ الْأَشْجَارِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهَا وَإِلَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِنْ سَلَفٍ وَإِلَّا مَا يَخْتَلِفُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ.
(فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) وَهِيَ مَنْ ارْتَهَنَ أَشْجَارًا فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ مَنْفَعَتِهَا وَهِيَ ثِمَارُهَا لِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّفْعُ لِعَامٍ عُيِّنَ. وَقَدْ بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا.
(الْمُتَيْطِيُّ) مَنْ ارْتَهَنَ أَشْجَارًا وَاشْتَرَطَ ثِمَارَهَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي سَلَفٍ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ عَنْ بَيْعٍ وَالثَّمَرَةُ قَدْ طَابَتْ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَوْ كَانَتْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ. (وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ إذَا كَانَ الدَّيْنُ الْمُرْتَهَنُ فِيهِ مِنْ سَلَفٍ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْمَنْفَعَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا.
(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْمَنْفَعَةِ بِالرَّهْنِ فِي السَّلَفِ كَانَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ فِي الْعَقْدِ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ وَبَعْدَ الْعَقْدِ هَدِيَّةُ مِدْيَانٍ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا.
(وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) وَهِيَ إذَا كَانَ الرَّهْنُ ثِيَابًا أَوْ حَيَوَانًا وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يَخْتَلِفُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ مَنْفَعَتِهِ، فَرُبَّ مُرْتَهِنٍ ثَوْبًا يُسَخِّرُهُ ضِعْفَيْ مُرْتَهِنٍ آخَرَ وَمُسْتَعْمَلِ دَابَّةٍ كَذَلِكَ، وَرُبَّ لَابِسِ ثَوْبٍ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً يَنْقُصُ مِنْهُ مَا لَا يَنْقُصُ لَوْ لَبِسَهُ غَيْرُهُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَعَنْ هَذَا الْمَعْنَى عَبَّرَ بِقَوْلِهِ:
وَفِي الَّتِي وَقْتُ اقْتِضَائِهَا خَفِيَ
أَيْ وَإِلَّا الْمَنْفَعَةُ الَّتِي وَقْتُ اقْتِضَائِهَا يَخْتَلِفُ.
وَخَرَجَ بِذَلِكَ الدُّورُ وَالْأَرْضُونَ وَنَحْوُهَا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا لَا تَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّ فِي الدُّورِ السُّكْنَى، وَفِي الْأَرْضِ الِاعْتِمَارُ فَلَا يُنْقِصُ اسْتِعْمَالُهَا مِنْهَا، وَلَا كَذَلِكَ الثِّيَابُ وَالْحَيَوَانُ.
(قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قُلْت: فَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَشْتَرِطَ شَيْئًا مِنْ مَنْفَعَةِ الرَّهْنِ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ مِنْ بَيْعٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْضٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً. إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي: إذَا بَاعَهُ بَيْعًا، وَارْتَهَنَ رَهْنًا، وَاشْتَرَطَ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ إلَى أَجَلٍ فَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ، وَأَكْرَهُ ذَلِكَ فِي الثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَقَوْلُهُ " وَفِي الَّذِي " عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ " إلَّا فِي الْأَشْجَارِ فَاَلَّذِي: صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَإِلَّا الرَّهْنُ الَّذِي لِلدَّيْنِ، وَضَمِيرُ بِهِ: لِلرَّهْنِ الْمَوْصُوفِ بِاَلَّذِي، وَبَاؤُهُ ظَرْفِيَّةٌ وَكَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ أَيْ إلَّا الدَّيْنَ الَّذِي فِيهِ الرَّهْنُ مِنْ سَلَفٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ: إلَّا الْعَقْدَ الَّذِي الرَّهْنُ فِيهِ مِنْ سَلَفٍ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ اشْتِرَاطُ الْمَنْفَعَةِ. .
وَبِجَوَازِ بَيْعِ مَحْدُودِ الْأَجَلْ ... مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَاهِنٍ جَرَى الْعَمَلْ
مَعَ جَعْلِهِ ذَاكَ لَهُ وَلَمْ يَحِنْ ... دَيْنٌ وَلَا بِعُقْدَةِ الْأَصْلِ قُرِنْ