للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُشْتَرٍ بَعْدَ الْحَلِفْ ... فِي الْقَبْضِ فِيمَا بَيْعُهُ نَقْدًا عُرِفْ

وَهُوَ كَذَا لِبَائِعٍ فِيمَا عَدَا ... مُسْتَصْحَبِ النَّقْدِ وَلَوْ بَعْدَ مَدَى

كَالدُّورِ وَالرَّقِيقِ وَالرِّبَاعِ ... مَا لَمْ يُجَاوِزْ حَدَّ الِابْتِيَاعِ

وَالْقَبْضُ لِلسِّلْعَةِ فِيهِ اُخْتُلِفَا ... كَقَبْضٍ حُكْمُهُ قَدْ سَلَفًا

تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَثْمُونِ فَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: دَفَعْتُ الثَّمَنَ، وَقَالَ الْبَائِعُ: لَمْ يُعْطِ شَيْئًا، فَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ لِلْعُرْفِ الْجَارِي فِي ذَلِكَ الْمَبِيعِ فَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ يُبَاعُ نَقْدًا كَالدَّقِيقِ، وَالزَّيْتِ، وَاللَّحْمِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَالْخُضَرِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ دَفَعَ الثَّمَنَ مَعَ يَمِينِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، أَوْ قَبْلَهُ. وَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّهُ يُبَاعُ بِغَيْرِ النَّقْدِ فِي الْحَالِ كَالْبَزِّ، وَالرَّقِيقِ، وَالرِّبَاعِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ سَوَاءٌ قَامَ فِي الْحِينِ أَوْ بَعْدَ زَمَانِ وُقُوعِ الْبَيْعِ فِيهِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ فِي ذَلِكَ حَدَّ الِابْتِيَاعِ، أَيْ مَا لَمْ يَقُمْ بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً إذَا لَمْ تَجْرِ عَادَةُ النَّاسِ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ هَذِهِ الْمُدَّةَ.

وَحَدُّ تَأْخِيرِ الثَّمَنِ عَلَى مَا قَالَ النَّاظِمُ هُوَ فِي الدُّورِ، وَالْأَرْضِينَ، وَالرِّبَاعِ، وَغَيْرِهَا إلَى عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا دُونَهَا وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَمْ أَقْبِضْهُ، وَقَالَ الْبَائِعُ: بَلْ قَبَضْتَهُ، فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَالِاخْتِلَافِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَسْلِيمِهِ عِنْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَرَاخِي قَبْضِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الثَّمَنِ. هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ النَّاظِمِ. فَقَوْلُهُ: فِي الْقَبْضِ أَيْ قَبْضِ الثَّمَنِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:

وَالْقَبْضُ لِلسِّلْعَةِ فِيهِ اُخْتُلِفَا

وَنَقْدًا مَنْصُوبٌ عَلَى إسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ أَيْ بِالنَّقْدِ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ كَذَا لِبَائِعٍ أَيْ الْقَوْلُ كَذَا مَعَ الْيَمِينِ لِبَائِعٍ، وَالْمَدَى الزَّمَانُ، وَلَوْ إغْيَاءً فِي كَوْنِ الْقَوْلِ لِلْبَائِعِ وَكَالدُّورِ وَمَا بَعْدَهُ تَمْثِيلٌ لِمَا عَادَتُهُ أَنْ يُبَاعَ بِتَأْخِيرٍ وَجَارٍ خَبَرُ الْقَبْضُ، وَالْقَبْضُ الَّذِي سَلَفَ أَيْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ هُوَ قَبْضُ الثَّمَنِ.

(قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ) قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَانْقَلَبَ بِهَا وَزَعَمَ أَنَّهُ دَفَعَ الثَّمَنَ وَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ مِثْلَ الْحِنْطَةِ، وَالزَّيْتِ، وَاللَّحْمِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَالْخُضَرِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَبَايَعُ عَلَى وَجْهِ الِانْتِقَادِ فَهُوَ يُشْبِهُ الصَّرْفَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَفْتَرِقَا إذَا قَبَضَ مَا اشْتَرَى، كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَسَوَاءٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ كَانَ مَا اشْتَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ مَا اشْتَرَى مِثْلَ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ، وَالْبَزِّ، وَالدَّقِيقِ، وَالدَّوَابِّ، وَالْعُرُوضِ، كُلِّهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ وَذَكَر ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ كَانَ يَجْعَلُ الْقَوْلَ فِي هَذَا قَوْلَ الْبَائِعِ أَبَدًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً حَتَّى يَجُوزَ الْوَقْتُ الَّذِي لَا يَجُوزُ إلَيْهِ التَّبَايُعُ اهـ.

وَكَلَامُ الْمُنْتَخَبِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا يُبَاعُ بِالنَّقْدِ بَيْنَ أَنْ يَفْتَرِقَ الْمُتَبَايِعَانِ أَمْ لَا، الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْوَجْهَيْنِ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا، وَانْقَلَبَ بِهَا ثُمَّ قَالَ، قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَفْتَرِقَا، فَإِطْلَاقُ النَّاظِمِ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُنْتَخَبِ الْيَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي غَيْرِ مَا يُبَاعُ بِالنَّقْدِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَبَضَ الْمُبْتَاعُ السِّلْعَةَ الْمَبِيعَةَ وَبَانَ بِهَا، قَالَ إنَّ الْبَائِعَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ، إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ لُزُومَ الْيَمِينِ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ وَهُوَ كَذَا، وَفِي الْمُنْتَخَبِ أَيْضًا وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَبْضِ السِّلْعَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ أَقْبِضْهَا، وَقَالَ الْبَائِعُ قَدْ قَبَضْتَهَا فَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ لَهُ بِالثَّمَرِ فَقَدْ قَبَضَ السِّلْعَةَ، كَذَا رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.

وَيَحْلِفُ الْبَائِعُ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِحَدَاثَةِ الْبَيْعِ وَالْإِشْهَادِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَفْعَالِ النَّاسِ فَأَمَّا إنْ سَكَتَ حَتَّى إذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ لَمْ أَقْبِضْ السِّلْعَةَ فَلَا قَوْلَ لَهُ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ اهـ وَهَذَا النَّقْلُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِإِحَالَةِ النَّاظِمِ الِاخْتِلَافَ فِي قَبْضِ السِّلْعَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّفْصِيلَ بَيْنَ مَا الْعَادَةُ قَبْضُهُ عِنْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جُلِّ كَلَامِ النَّاظِمِ، وَاَلَّذِي فِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ السِّلْعَةِ فَالْأَصْلُ بَقَاءُ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَبَقَاءُ السِّلْعَةِ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عُرْفٌ لِأَحَدِهِمَا، إمَّا لِلْمُشْتَرِي بِدَفْعِ الثَّمَنِ كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا، أَوْ بَقْلًا وَبَانَ بِهِ فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>