لَهُ فِي التَّرِكَةِ وَفَاءٌ فَإِنَّ مُصِيبَتَهُ مِنْ الْمُكْرِي لِعَدَمِ مَنْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، وَخَرَابِ ذِمَّةِ الْهَالِكِ فَقَوْلُهُ: " لَمْ يَحِنْ " بِالنُّونِ بِمَعْنَى: لَمْ يَحِلَّ بِاللَّامِ، وَعُدِلَ لِلنُّونِ لِلْوَزْنِ لِأَنَّ لَامَ لَمْ يَحِلَّ مُشَدَّدَةٌ فَيَنْكَسِرُ الْوَزْنُ بِشَدِّهَا، وَهُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ قَبْلَهُ " وَحَيْثُ " يَتَعَلَّقُ " بِاسْتُؤْنِفَ " " وَوَفَاءٌ " نَائِبُ فَاعِلِ " وُجِدْ " " وَمِنْ تُرَاثِ " أَيْ مَالِ خَبَرُ " النَّقْصُ ".
وَمَعْنَى " فُقِدْ " مَاتَ، وَنَقَلَ الشَّارِحُ الْمَسْأَلَةَ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَاخْتَصَرَهَا الْمَوَّاقُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي التَّفْلِيسِ: " وَأَخَذَ الْمُكْرِي دَابَّتَهُ وَأَرْضَهُ " بِلَفْظِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّ مَنْ اكْتَرَى دَارًا لِسِنِينَ مَعْلُومَةٍ بِنُجُومٍ، فَمَاتَ أَوْ فُلِّسَ فَالْأَصَحُّ فِي النَّظَرِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِمَوْتِهِ وَلَا بِتَفْلِيسِهِ إذْ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقْبِضْ بَعْدُ عِوَضَهُ، وَهَذَا أَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ لَا يَرَى قَبْضَ الدَّارِ لِلسُّكْنَى قَبْضًا لِلسُّكْنَى فَيَأْتِي عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْكِرَاءَ لَا يَحِلُّ بِمَوْتِهِ وَيُتَنَزَّلُ الْوَرَثَةُ مَنْزِلَتَهُ. اهـ وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا " وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ إنْ لَمْ يُرِدْ الْوَرَثَةُ أَنْ يَلْتَزِمُوا الْكِرَاءَ فِي أَمْوَالِهِمْ أَنْ يُكْرِيَ ذَلِكَ لِمَا بَقِيَ فِي الْمُدَّةِ فَإِنْ نَقَصَ ذَلِكَ عَنْ الْكِرَاءِ الَّذِي اكْتَرَاهَا بِهِ الْمَيِّتُ وُقِفَ مِنْ تَرِكَتِهِ قَدْرُ النُّقْصَانِ وَأَدَّى إلَى الْمُكْرِي الْكِرَاءَ عِنْدَ وُجُوبِهِ عَامًا بَعْدَ عَامٍ " اهـ.
وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إذْ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقْبِضْ بَعْدُ عِوَضَهُ أَنْ كَيْفِيَّةَ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ اكْتَرَى دَارًا مَثَلًا لِعَامٍ فَسَكَنَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا، ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحِلُّ عَلَيْهِ كِرَاءُ السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ الَّتِي سَكَنَ دُونَ كِرَاءِ مَا لَمْ يَسْكُنْ، وَإِذَا اكْتَرَى وَمَاتَ قَبْلَ السُّكْنَى لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَوَاخِرِ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ عَلَى الْمُكْتَرِي دُيُونٌ فَإِنَّ رَبَّ الدَّارِ إنَّمَا يُحَاصِصُ الْغُرَمَاءَ بِكِرَاءِ مَا سَكَنَ الْمُكْتَرِي فَقَطْ وَيَأْخُذُ دَارِهِ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ قَبْضٌ لِلْأَوَاخِرِ فَإِنَّ رَبَّ الدَّارِ يُحَاصِصُ غُرَمَاءَ الْمُكْتَرِي بِمَا سَكَنَ، وَمَا لَمْ يَسْكُنْ أَيْ بِكِرَاءِ جَمِيعِ السَّنَةِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي كِرَاءِ مَا لَمْ يَسْكُنْهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمُخْتَصَرِ " بِلَوْ " فِي قَوْلِهِ: " وَحَلَّ بِهِ وَبِالْمَوْتِ مَا أُجِّلَ " وَلَوْ دَيْنَ كِرَاءٍ وَأَمَّا كِرَاءُ مَا سَكَنَهُ فَيَحِلُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى هَذَا فَلَا يَصِلُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ عَلَى مَنْ اكْتَرَى دَارًا شَهْرًا مَثَلًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ كِرَاءَهُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ فَمَاتَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَإِنَّ كِرَاءَ الشَّهْرِ الْمَاضِي يَحِلُّ اتِّفَاقًا. وَانْظُرْ لَفْظَ الْمُقَدِّمَاتِ الَّذِي نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَوْ بَابِ التَّفْلِيسِ " وَالْمَوْتُ كَالْفَلَسِ ". (فَرْعٌ) مَنْ أَكْرَى دَارِهِ لِمُدَّةٍ، ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ بِثَمَنٍ لِأَجَلٍ، وَاشْتَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، أَوْ بَاعَ دَارِهِ، وَاسْتَثْنَى سُكْنَاهَا مُدَّةً يَجُوزُ لَهُ اسْتِثْنَاؤُهَا فَمَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءِ (قَالَ الشَّارِحُ) : " فَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ السَّابِقِ أَنَّ الْمُفْلِسَ أَوْ الْمَيِّتَ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقْبِضْ عِوَضَهُ وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ ثَمَنُ الدَّارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا بَعْدُ ".
(فَرْعٌ) اُنْظُرْ إذَا نَقَدَ الْمُكْتَرِي كِرَاءَ الدَّارِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي اكْتَرَاهَا لَهَا، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَهَلْ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَسْتَرْجِعُوا مَا نَقَدَ وَيُسَلِّمُوا الدَّارَ لِلْكِرَاءِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ لِأَنَّ مُوَرِّثَهُمْ لَمْ يَقْبِضْ بَعْدُ عِوَضَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute