فَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ إلَّا قَدْرُ مَا سَكَنَ، وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ فَلَهُمْ اسْتِرْجَاعُهُ.
وَفِي امْرِئٍ مُمَتَّعٍ فِي الْمَالِ ... يَمُوتُ قَبْلَ وَقْتِ الِاسْتِغْلَالِ
وَقَامَتْ الزَّوْجَةُ تَطْلُبُ الْكِرَا ... قَوْلَانِ وَالْفَرْقُ لِمَنْ تَأَخَّرَا
وَحَالَةُ الْمَنْعِ هِيَ الْمُسْتَوْضَحَهْ ... وَشَيْخُنَا أَبُو سَعِيدٍ رَجَّحَهْ
وَشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ ... إلَى الْوَفَاةِ مَالَ عِنْدَ النَّظَرِ
فَإِنْ تَكُنْ وَالِازْدِرَاعُ قَدْ مَضَى ... إبَّانُهُ فَلَا كِرَاءَ يُقْتَضَى
وَإِنْ تَكُنْ وَوَقْتُ الِازْدِرَاعِ ... بَاقٍ فَمَا الْكِرَاءُ ذُو امْتِنَاعِ
وَفِي الطَّلَاقِ زَرْعُهُ لِلزَّارِعِ ... ثُمَّ الْكِرَاءُ مَا لَهُ مِنْ مَانِعِ
وَخُيِّرَتْ فِي الْحَرْثِ فِي إعْطَاءِ ... قِيمَتِهِ وَالْأَخْذِ لِلْكِرَاءِ
وَحَيْثُمَا الزَّوْجَةُ مَاتَتْ فَالْكِرَا ... عَلَى الْأَصَحِّ لَازِمٌ مَنْ عَمَّرَا
بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لِلْحَصَادِ ... مِنْ بَعْدِ رَعْيِ حَظِّهِ الْمُعْتَادِ
وَإِنْ تَقَعْ وَقَدْ تَنَاهَى الْفُرْقَهْ ... فَالزَّوْجُ دُونَ شَيْءٍ اسْتَحَقَّهْ
وَنُزِّلَ الْوَارِثُ فِي التَّأْنِيثِ ... وَعَكْسِهِ مَنْزِلَةَ الْمَوْرُوثِ
الْإِمْتَاعُ هُوَ هِبَةُ الزَّوْجَةِ أَوْ أَبِيهَا لِلزَّوْجِ سُكْنَى دَارِهَا، أَوْ اسْتِغْلَالَ أَرْضِهَا مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يُمْنَعْ، وَكَأَنَّ الْمَرْأَةَ أَعْطَتْ زَوْجَهَا شَيْئًا مِنْ مَالِهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ عَلَيْهِ الْقُلُوبُ حِينَ الْعَقْدِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمْتَاعَ، وَالْعُمْرَى بِالنِّسْبَةِ لِلْمَوْتِ، وَالطَّلَاقِ مُتَسَاوِيَانِ لِأَنَّهُمَا بَابٌ وَاحِدٌ وَهُوَ: هِبَةُ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةً مَجْهُولَةً تَنْتَهِي بِوُقُوعِ أَمْرٍ مَجْهُولِ الْوَقْتِ، وَالْأَصْلُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ وَإِلَيْهِ تَرْجِعُ الْمَنْفَعَةُ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعُمْرَى أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْكُنَهُ عُمْرَهُ، أَوْ يَسْكُنَهُ حَيَاةَ فُلَانٍ، أَوْ إلَى قُدُومِ فُلَانٍ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَجْهُولٌ فَمَا وَجَبَ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَجَبَ فِي بَقِيَّتِهَا، (وَقَالَ ابْنُ عَتَّابٍ) فِي الْعُمْرَى: " قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ لَفْظِهَا مِنْ الْإِسْكَانِ أَوْ الْإِمْتَاعِ " اهـ.
وَتَكَلَّمَ النَّاظِمُ هُنَا عَلَى مَا إذَا أَمْتَعَتْهُ اسْتِغْلَالَ أَرْضِهَا، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الْحَرْثِ، وَقَبْلَ رَفْعِ الْغَلَّةِ هَلْ يَلْزَمُ كِرَاءُ الْأَيَّامِ الَّتِي بَيْنَ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ وَنَضُوضِ الْغَلَّةِ؟ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ الزَّوْجُ انْتَقَلَتْ الْغَلَّةُ لِوَرَثَتِهِ، وَهِيَ لَمْ تُمْتِعْهُمْ، وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ فَقَدْ انْتَقَلَتْ الْأَرْضُ لِوَرَثَتِهَا، وَهُمْ لَمْ يُمْتِعُوهُ وَإِنْ طَلُقَتْ فَقَدْ زَالَ وَجْهُ الْإِمْتَاعِ الَّذِي هُوَ تَحْسِينُ الْعِشْرَةِ فَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَقَدْ كَانَ حَرَثَ الْأَرْضَ فَطَلَبَتْ الزَّوْجَةُ كِرَاءَ أَرْضِهَا مِنْ مَوْتِهِ لِنَضُوضِ الْغَلَّةِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.
(أَحَدُهَا) لَا كِرَاءَ لَهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْعُمْرَى وَرَجَّحَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا وَاسْتَظْهَرَهُ النَّاظِمُ وَإِلَى تَرْجِيحِ هَذَا الْقَوْلِ، وَاسْتِظْهَارِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:
وَحَالَةُ الْمَنْعِ هِيَ الْمُسْتَوْضِحَهْ ... وَشَيْخُنَا أَبُو سَعِيدٍ رَجَّحَهْ
(الْقَوْلُ الثَّانِي) : أَنَّ لَهَا كِرَاءَ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ قَالَ الشَّارِحُ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَإِلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:
وَفِي امْرِئٍ مُمَتَّعٍ فِي الْمَالِ
إلَى قَوْلِهِ قَوْلَانِ (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) لِبَعْضِ مَنْ تَأَخَّرَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ وَقَدْ مَضَى إبَّانُ الزِّرَاعَةِ فَلَا كِرَاءَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فَلَهَا الْكِرَاءُ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَنِسْبَتِهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالْفَرْقُ لِمَنْ تَأَخَّرَا، ثُمَّ فَسَّرَ هَذَا الْفَرْقَ بِقَوْلِهِ
فَإِنْ تَكُنْ وَالِازْدِرَاعُ قَدْ مَضَى
الْبَيْتَيْنِ، وَذَكَرَ قَبْلَهُمَا: أَنَّ شَيْخَ ابْنَ لُبٍّ مُحَمَّدَ بْنَ بَكْرٍ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَالْكَافُ مُشَدَّدَةٌ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى اخْتِيَارِهِ إلَى الْمَوْتِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ اجْتِهَادُهُ فِيهِ وَأَمَّا إذَا طَلَّقَ الزَّوْجَةَ فَإِنَّ الزَّرْعَ لِزُرَّاعِهِ وَالْكِرَاءَ يَجِبُ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ غَلَّتِهِ الَّتِي تَكُونُ فِي أَرْضِهَا لِأَنَّ الْمُتْعَةَ فِي مُقَابَلَةِ تَحْسِينِ الْعِشْرَةِ، وَلَيْسَ بَعْدَ الطَّلَاقِ