للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْبَالِغُ الْمَوْصُوفُ بِالْإِهْمَالِ ... مُعْتَبَرٌ بِوَصْفِهِ فِي الْحَالِ

فَظَاهِرُ الرُّشْدِ يَجُوزُ فِعْلُهُ ... وَفِعْلُ ذِي السَّفَهِ رَدٌّ كُلُّهُ

وَذَاكَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ... مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لَهُ مُلَائِمِ

وَمَالِكٌ يُجِيزُ كُلَّ مَا صَدَرْ ... بَعْدَ الْبُلُوغِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرْ

وَعَنْ مُطَرِّفٍ أَتَى مَنْ اتَّصَلْ ... سَفَهُهُ فَلَا يَجُوزُ مَا فَعَلٌ

وَإِنْ يَكُنْ سُفِّهَ بَعْدَ الرُّشْدِ ... فَفِعْلُهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ رَدِّ

مَا لَمْ يَبِعْ مِنْ خَادِعٍ فَيُمْنَعُ ... وَبِاَلَّذِي أَفَاتَهُ لَا يُتْبَعُ

وَمُعْلِنُ السَّفَهِ رَدَّ ابْنُ الْفَرَجْ ... أَفْعَالَهُ وَالْعَكْسُ فِي الْعَكْسِ انْدَرَجْ

وَفِعْلُ مَنْ يُجْهَلُ بِالْإِطْلَاقِ ... حَالَتُهُ يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ

وَيَجْعَلُ الْقَاضِي بِكُلِّ حَالِ ... عَلَى السَّفِيهِ حَاجِرًا فِي الْمَالِ.

ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي حُكْمِ الْبَالِغِ الْمُهْمَلِ مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَى فَرْعٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْمَحْجُورِ وَالسَّفِيهِ حَاجِرًا يَحْجُرُهُ خَوْفَ ذَهَابِ مَالِهِ وَاعْتُمِدَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يُوصِ بِهِ إلَى أَحَدٍ وَلَا قَدَّمَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَصِيًّا وَلَا نَاظِرًا فَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: إلَخْ. إلَّا أَنَّ النَّاظِمَ قَدَّمَ وَأَخَّرَ فِي تَرْتِيبِهَا مَا سَمَحَ لَهُ بِهِ النَّظْمُ.

(الْقَوْلُ الْأَوَّلُ) : عَلَى تَرْتِيبِ النَّظْمِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى حَالِهِ يَوْمَ بَيْعِهِ وَابْتِيَاعِهِ فَإِنْ كَانَ رَشِيدًا جَازَتْ أَفْعَالُهُ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا لَمْ يَجُزْ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَتَّصِلَ سَفَهُهُ أَوْ لَا يَتَّصِلَ. اهـ.

وَبَيَانُ هَذَا التَّفْصِيلِ يَأْتِي فِي الْقَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَإِلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إلَخْ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ

مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لَهُ مُلَائِمٍ

وَمَعْنَى قَوْلِهِ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَالِ أَيْ فِي حَالِ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَتَصَرُّفِهِ ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَظَاهِرُ الرُّشْدِ إلَخْ.

(الْقَوْلُ الثَّانِي) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ مَالِكٍ وَكِبَارِ أَصْحَابِهِ إنَّ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ جَائِزَةٌ نَافِذَةٌ رَشِيدًا كَانَ أَوْ سَفِيهًا مُعْلِنًا بِالسَّفَهِ أَوْ غَيْرَ مُعْلِنٍ اتَّصَلَ سَفَهُهُ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ أَوْ سَفِهَ بَعْدَ أَنْ أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ

وَمَالِكٌ يُجِيزُ كُلَّ مَا صَدَرْ ... بَعْدَ الْبُلُوغِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرْ

(الْقَوْلُ الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إنَّهُ إنْ كَانَ مُتَّصِلَ السَّفَهِ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِهِ.

وَأَمَّا إنْ سَفِهَ بَعْدَ أَنْ أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ فَأَفْعَالُهُ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ وَلَازِمَةٌ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْعُهُ بَيْعَ سَفَهٍ وَخَدِيعَةً بَيِّنَةً مِثْل أَنْ يَبِيعَ ثَمَنَ أَلْفِ دِينَارٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا يُتْبَعُ بِالثَّمَنِ إنْ أَفْسَدَهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعْلِنًا بِالسَّفَهِ أَوْ غَيْرَ مُعْلِنٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ وَعَنْ مُطَرِّفٍ الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةَ.

قَالَ (الشَّارِحُ) اقْتَصَرَ الشَّيْخُ عَلَى النِّسْبَةِ لِمُطَرِّفٍ دُونَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ اخْتِصَارًا وَكَثِيرًا مَا يَتَّفِقُ قَوْلُهُمَا حَتَّى عَبَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُمَا بِالْأَخَوَيْنِ. اهـ.

(قُلْتُ) وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْقَائِلُ فِي جُمْلَةِ أَبْيَاتٍ

كَذَا مُطَرِّفٌ وَنَجْلُ الْمَاجِشُونْ ... حَلَّاهُمَا بِالْأَخَوَيْنِ النَّاقِلُونْ

(الْقَوْلُ الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ أَصْبَغُ إنَّهُ إنْ كَانَ مُعْلِنًا بِالسَّفَهِ فَأَفْعَالُهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْلِنًا بِالسَّفَهِ فَأَفْعَالُهُ جَائِزَةٌ. اهـ.

وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ

وَمُعْلِنُ السَّفَهِ رَدَّ ابْنُ الْفَرَجْ ... أَفْعَالَهُ وَالْعَكْسُ فِي الْعَكْسِ انْدَرَجْ

وَمُرَادُهُ بِالْعَكْسِ أَنَّ مُعْلِنَ الرُّشْدِ أَفْعَالُهُ مَاضِيَةٌ لَا تُرَدُّ وَأَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَفِعْلُ مَنْ يَجْهَلُ بِالْإِطْلَاقِ الْبَيْتَيْنِ إلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَاتَّفَقَ جَمِيعُهُمْ أَنَّ أَفْعَالَهُ جَائِزَةٌ لَا يُرَدُّ مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنْ جُهِلَتْ حَالُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ بِسَفَهٍ وَلَا بِرُشْدٍ وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ سَفَهُهُ وَخُشِيَ ذَهَابُ مَالِهِ. اهـ. وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ فِي جَوَازِ أَفْعَالِ مَجْهُولِ الْحَالِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِعِوَضٍ أَوْ تَبَرُّعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>