بِالتَّرْشِيدِ فَهِيَ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ حَافِظٌ لِمَالِهِ حَسَنُ النَّظَرِ صَالِحُ الْحَالِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهَا إطْلَاقُهُ مِنْ ثِقَافِ الْحَجْرِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ حَجْرٌ وَمُضِيُّ أَفْعَالِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ رُشْدَهُ إنَّمَا ثَبَتَ الْآنَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَلَسْت عَلَى يَقِينٍ فِيهِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالَ الشَّارِحُ) : وَجْهُ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْعَدْلَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسْفِيهِ أَوْ بِالتَّرْشِيدِ لَيْسَتْ مِنْ الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ الَّتِي يُدْرِكُهَا الشَّاهِدُ بِهَا بَدِيهَةً وَإِنَّمَا تَحْصُلُ لَهُ مِنْ جُزْئِيَّاتٍ تَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْمَشْهُودِ بِهِ ضِمْنًا فَلِذَلِكَ اُسْتُكْثِرَ فِيهَا مِنْ الشُّهُودِ لِيَحْصُلَ نَوْعُ اسْتِفَاضَةٍ بِتِلْكَ الْجُزْئِيَّاتِ الَّتِي تَتَعَدَّدُ بِهَا الشَّهَادَةُ، فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ الشُّهُودِ فِي عَقْدِ التَّرْشِيدِ الْعُدُولِ وَغَيْرِهِمْ لِتَظْهَرَ اسْتِفَاضَةُ رُشْدِهِ وَلَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ شَاهِدَانِ كَمَا يُجْزِئُ فِي الْحُقُوقِ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ الشُّهُودِ فِي وَثِيقَةِ التَّسْفِيهِ اهـ.
وَلَفْظُ الْإِكْثَارِ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ يُقْرَأُ بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ لِلسَّاكِنِ قَبْلَهَا وَهِيَ لَامُ أَلْ لِلْوَزْنِ.
(تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: وَالشَّأْنُ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ فِي بَيَانِ اصْطِلَاحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: قَوْلُهُ وَالشَّأْنُ وَقَعَتْ فِي الْجِهَادِ فِي قَوْلِهِ: وَالشَّأْنُ قَسْمُ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمُرَادُهُ عَمَلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَمَلُ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ وَقِيلَ مُرَادُهُ عَمَلُ الصَّحَابَةِ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ الْأَمْرُ وَالشَّأْنُ مَعْنَاهُمَا الْعَمَلُ. اهـ. وَالْمُرَادُ فِي النَّظْمِ مَا قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَجَازَ لِلْوَصِيِّ فِيمَنْ حَجَرَا ... إعْطَاءُ بَعْضِ مَالِهِ مُخْتَبِرَا
يَعْنِي: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُعْطِيَ لِمَحْجُورِهِ بَعْضَ مَالِهِ لِيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ تَصَرُّفَهُ وَلَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا رَأَى عَلَيْهِ مَخَايِلَ الصَّلَاحِ وَالرَّشَادِ الَّتِي تُوجِبُ عِنْدَهُ إطْلَاقَهُ مِنْ الْحَجْرِ فَيَخْتَبِرُهُ لِتَحْصُلَ لَهُ الثِّقَةُ بِمَا يَبْدُو لَهُ مِنْ السَّدَادِ فِي تَصَرُّفِهِ فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الْوَصِيُّ إلَى يَتِيمِهِ بَعْضَ مَالِهِ لِيَخْتَبِرَهُ إذَا رَأَى مِنْهُ اسْتِقَامَةً وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا، فَإِنْ تَلِفَ لَمْ يَضْمَنْ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. اهـ. زَادَ ابْنُ سَلْمُونٍ بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ مِثْلُهُ لِلِاخْتِبَارِ لِشِدَّةِ سَفَهِهِ فَيَضْمَنُ، فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي وَثِيقَةِ الدَّفْعِ لِلْمَحْجُورِ مِمَّنْ يَعْرِفُ أَنَّ الْيَتِيمَ مِمَّنْ يَصْلُحُ اخْتِبَارُهُ (الْمَوَّاقُ) اُنْظُرْ بَقِيَ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: ٦] قَالَ (ابْنُ شَاسٍ) : الِابْتِلَاءُ لِلرُّشْدِ مَطْلُوبٌ، وَفِي كَوْنِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ قَالَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَالْبَغْدَادِيُّونَ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ أَبْيَنُ لِلْآيَةِ الشَّرِيفَةِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ (الْمُتَيْطِيُّ) لِلْوَصِيِّ أَنْ يَدْفَعَ لِلْيَتِيمِ بَعْضَ مَالِهِ يَخْتَبِرُهُ بِهِ كَالسِّتِّينَ دِينَارًا وَلَا يُكْثِرُ جِدًّا إنْ رَأَى اسْتِقَامَتَهُ فَإِنْ تَلِفَ لَمْ يَضْمَنْهُ (ابْنُ حَبِيبٍ) وَالْوَصِيُّ مُصَدَّقٌ فِيمَا دَفَعَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَكُلُّ مَا أَتْلَفَهُ الْمَحْجُورُ ... فَغُرْمُهُ فِي مَالِهِ الْمَشْهُورُ
إلَّا لِمَنْ طَوْعًا إلَيْهِ صَرَفَهْ ... وَفِي سِوَى مَصْلَحَةٍ قَدْ أَتْلَفَهْ
وَفِعْلُهُ بِعِوَضٍ لَا يُرْتَضَى ... وَإِنْ أَجَازَهُ وَصِيُّهُ مَضَى
وَفِي التَّبَرُّعَاتِ قَدْ جَرَى الْعَمَلْ ... بِمَنْعِهِ وَلَا يُجَازُ إنْ فَعَلٌ
تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ عَلَى الْمَحْجُورِ إذَا فَوَّتَ شَيْئًا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ هَلْ يَضْمَنُهُ أَمْ لَا كَانَ التَّفْوِيتُ بِإِفْسَادٍ أَوْ إتْلَافٍ أَوْ كَانَ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَأَخْبَرَ أَنَّ مَا فَوَّتَهُ بِإِتْلَافِهِ وَإِفْسَادِهِ كَالْحَرْقِ وَالْكَسْرِ وَالْأَكْلِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ غُرْمُهُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا أُتْبِعَ بِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ إذَا سَلَّطَهُ عَلَيْهِ رَبُّهُ بِاخْتِيَارِهِ وَصَيَّرَهُ فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِيهِ أَمَّا إنْ عَدَا عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُهُ صَرَفَهُ فِي مَصْلَحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ رَبُّهُ وَصَرَفَهُ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَغْرَمُهُ أَيْضًا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلِينَ.
وَأَمَّا مَا أَتْلَفَهُ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي ابْتِدَاءً فَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ تَوَقَّفَ إمْضَاؤُهُ عَلَى إجَازَةِ الْوَصِيِّ فَإِنْ أَمْضَاهُ مَضَى وَإِنْ رَدَّهُ رُدَّ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ وَأَمَّا مَا أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ مِنْ هِبَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُضْرَبُ عَلَى يَدَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ خَوْفَ إتْلَافِ مَالِهِ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ إجَازَةُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ سُوءُ نَظَرٍ فَإِنْ أَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ، وَيَغْرَمُهُ إنْ فَاتَ