للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الرَّابِعِ قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ حَالُهُ كَحَالِ الصَّبِيِّ إنْ كَسَرَ جَرَّةً أَوْ أَحْرَقَ شَيْئًا أَوْ أَفْسَدَ فَهُوَ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا أُتْبِعَ بِهِ دَيْنًا.

(وَفِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ سَحْنُونٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ بَعَثَ يَتِيمًا لَهُ فِي طَلَبِ عَبْدٍ آبِقٍ فَأَدْرَكَهُ وَبَاعَهُ وَأَتْلَفَ ثَمَنَهُ فَقَامَ صَاحِبُهُ فِيهِ فَقَالَ يَأْخُذُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْغُلَامِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَتْلَفَ وَلَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ. فَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَفَلَا يَكُونُ هَذَا مِثْلَ مَا فَسَدَ أَوْ كَسَرَ قَالَ: لَا.

وَفِي أُصُولِ الْفُتْيَا: وَكُلُّ مَا فَعَلَهُ الصَّبِيُّ مِمَّا يَرَى الْوَلِيُّ إجَازَتَهُ فِي أُصُولٍ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا يَكُونُ لِمَنْ عَاقَدَ الصَّبِيَّ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ إذَا أَجَازَهُ الْوَلِيُّ وَمَا بَاعَهُ الصَّبِيُّ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَمَرْدُودٌ إلَى مَالِ الصَّبِيِّ وَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي فِيمَا دُفِعَ مِنْ الثَّمَنِ إلَى الصَّبِيِّ لَا فِي ذِمَّةِ الصَّبِيِّ وَلَا فِي مَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ إنَّمَا أَنْفَقَ ذَلِكَ الثَّمَنَ فِي مَصَالِحِهِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا فَيَلْزَمُ الْوَلَدَ رَدُّ ذَلِكَ الثَّمَنِ (وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ) : لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمَحِيضَ مِنْ النِّسَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي مَالِهِ مَعْرُوفٌ مِنْ هِبَةٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا عَطِيَّةٍ وَلَا عِتْقٍ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ إنْ كَانَ ذَا أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ.

وَإِنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ فَعَلَ مَا يُشْبِهُ الْبَيْعَ أَوْ الشِّرَاءَ مِمَّا يَخْرُجُ عَلَى عِوَضٍ وَلَا يَقْتَصِرُ فِي مَعْرُوفٍ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى نَظَرِ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ فَإِنْ رَآهُ سَدَادًا أَوْ غِبْطَةً أَجَازَهُ وَأَنْفَذَهُ، وَإِنْ رَآهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ رَدَّهُ وَأَبْطَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ قَدَّمَ السُّلْطَانُ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ فِي ذَلِكَ بِوَجْهِ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ، وَإِنْ غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يَلِيَ أَمْرَهُ كَانَ النَّظَرُ إلَيْهِ فِي إجَازَةِ إنْفَاذِ ذَلِكَ وَرَدِّهِ، (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) وَيَلْزَمُهُ مَا أَفْسَدَهُ أَوْ كَسَرَ فِي مَالِهِ مِمَّا لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِيمَا أَفْسَدَ أَوْ كَسَرَ مِمَّا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ.

(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ عُمُومِ قَوْلِهِ:

إلَّا لِمَنْ إلَيْهِ طَوْعًا صَرَفَهْ ... وَفِي سِوَى مَصْلَحَةٍ قَدْ أَتْلَفَهْ

أَنَّ الْمَحْجُورَ لَا يَغْرَمُ مَا اسْتَعَارَ إذَا ادَّعَى تَلَفَهُ لِأَنَّ رَبَّهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ طَوْعًا وَلَمْ يَصْرِفْهُ فِي مَصْلَحَةٍ لَهُ وَلَمْ أَقِفْ الْآنَ فِيهِ عَلَى نَصٍّ.

وَظَاهِرُ السَّفَهِ جَازَ الْحُلُمَا ... مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ فِيهِ خُلْفٌ عُلِمَا

جَوَازُ فِعْلِهِ بِأَمْرٍ لَازِمِ ... لِمَالِكٍ وَالْمَنْعُ لِابْنِ الْقَاسِمِ

الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ مَحْضُ تَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ:

وَالْبَالِغُ الْمَوْصُوفُ بِالْإِهْمَالِ ... مُعْتَبَرٌ بِوَصْفِهِ فِي الْحَالِ

فَظَاهِرُ الرُّشْدِ يَجُوزُ فِعْلُهُ ... وَفِعْلُ ذِي السَّفَهِ رَدٌّ كُلُّهُ

وَذَاكَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ... مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لَهُ مُلَائِمِ

وَمَالِكٌ يُجِيزُ كُلَّ مَا صَدَرْ ... بَعْدَ الْبُلُوغِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرْ

وَإِلَى هَذَا الْخِلَافِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجَرِ مَحْمُولٌ إلَخْ. وَقَوْلُهُ هُنَا جَوَازُ فِعْلِهِ. الْبَيْتَ هُوَ بَيَانٌ لِلْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَيْتِ قَبْلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ.

فَظَاهِرُ الرُّشْدِ يَجُوزُ فِعْلُهُ

تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ هُنَا وَظَاهِرُ السَّفَهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ الْبَالِغُ الْمُهْمَلُ فَابْنُ الْقَاسِمِ يُرَاعِي حَالَتَهُ فَلِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَ ظَاهِرِ الرُّشْدِ وَظَاهِرِ السَّفَهِ وَمَالِكٌ يَعْتَبِرُ الْحَجْرَ. وَالْفَرْضُ أَنْ لَا حَجْرَ فَأَجَازَ فِعْلَهُ.

وَبِاَلَّذِي عَلَى صَغِيرٍ مُهْمَلِ ... يُقْضَى إذَا صَحَّ بِمُوجِبٍ جَلِيّ

وَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ كَالْغَائِبِ ... إلَى بُلُوغِهِ بِحُكْمٍ وَاجِبِ

وَيَدْفَعُ الْوَصِيُّ كُلَّ مَا يَجِبْ ... مِنْ مَالِ مَنْ فِي حَجْرِهِ مَهْمَا طُلِبْ

يَعْنِي: أَنَّ الصَّغِيرَ الْمُهْمَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ وَيُحْكَمُ بِمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ إذَا كَانَ مُوجِبُ ذَلِكَ صَحِيحًا جَلِيًّا ظَاهِرًا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا بَلَغَ كَالْغَائِبِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ ثُمَّ يَقْدُمُ فَيَكُونُ عَلَى حُجَّتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي الْبَيْعِ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ لِلْمَحْجُورِ وَصِيٌّ فَهُوَ الَّذِي يَدْفَعُ مَا وَجَبَ عَلَى مَحْجُورِهِ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ الْمَذْكُورِ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ.

وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ وَبِاَلَّذِي يَتَعَلَّقُ بِيُقْضَى

<<  <  ج: ص:  >  >>